معنى الآيات:

ما زال السياق في تسلية الرسول وحمله على الصبر على ما يعاني من كفار قريش من تطاول وأذى فقال له ربه تعالى {هَلْ أَتَاكَ} إلى آخر الآيات. وذلك أن داود (1) عليه السلام ذكر مرة في نفسه ما أكرم الله تعالى به إبراهيم وإسحق ويعقوب من حسن الثناء الباقي لهم في الناس، فتمنى مثله فقيل له إنهم امتحنوا فصبروا فسأل أن يبتلى كالذي ابتلوا به ويعطى كالذي أعطوا إن هو صبر فاختبره الله تعالى بناء على رغبته فأرسل إليه ملكين (2) في صورة رجلين فتسورا عليه المحراب كما يأتي تفصيله في الآيات وهو قوله تعالى {وَهَلْ أَتَاكَ} يا رسولنا نبأ الخصم (3) وهما ملكان في صورة رجلين، ولفظ الخصم يطلق على الواحد والأكثر كالعدو فيقال هذا خصمي وهؤلاء خصمي، وهذا عدوي وهؤلاء عدوي. وقوله {إِذْ تَسَوَّرُوا (4) الْمِحْرَابَ} أي اطلعوا على سور المنزل الذي هو المحراب في عرف بني إسرائيل ولم يدخلوا من الباب لأن الحرس منعهم من ذلك، لأن لداود وقتاً ينقطع فيه للعبادة فلا يسمح بمقابلة أحد وقوله {إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُدَ} وهو في محرابه {فَفَزِعَ مِنْهُمْ} أي ارتاع واضطرب نفسا {قَالُوا لا تَخَفْ خَصْمَانِ} أي نحن خصمان {بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ} أي اعتدى بعضنا على بعض جئنا نتحاكم إليك {فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ} أي ولا تجر في الحكم {وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ} أي إلى وسط (5) الطريق فلا تمل بنا عن الحق. ثم عرضا عليه القضية فقال أحدهما وهو المظلوم عارضاً مظلمته {إِنَّ هَذَا أَخِي} أي في الإسلام {لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا} أي ملكنيها أضمها إلى نعاجي، {وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ} أي وغلبني في الكلام والجدال وأخذها مني. فقال داود على الفور وبدون أن يسمع من الخصم الثاني {لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ} وعلل لذلك بقوله {وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطَاءِ} أي الشركاء في زرع أو ماشية أو تجارة {لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} وهم أهل الإيمان والتقوى فإنهم يسلمون من

طور بواسطة نورين ميديا © 2015