بالخصم المعاند حتى لا يلج في العناد ولا يفكر في الأمر الذي يجادل فيه، وإلاّ فالرسول والمؤمنون هم الذين على هدى، والمشركون هم الذين في ضلال مبين وهو أمر مسلم لدى طرفي النزاع. وقوله تعالى {قُلْ لا تُسْأَلونَ عَمَّا (1) أَجْرَمْنَا وَلا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُون} وهذا أيضاً من باب التلطف مع الخصم المعاند لتهدأ عاصفة عناده ويراجع نفسه عله يثوب إلى رشده ويعود إلى صوابه، فقوله: {لا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُون} هو حق فإنهم لا يسألون عن ذنوب الرسول والمؤمنين، ولكن الرسول والمؤمنين لا ذنب لهم وإنما هو من باب التلطف في الخطاب، وأما المشركون فإن لهم أعمالاً من الشرك والباطل سيجزون بها والرسول والمؤمنون قطعاً لا يسألون عنها ولا يؤاخذون بها ما داموا قد بلغوا ونصحوا. وقوله: {قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا} أي يوم القيامة {ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا} أي يحكم ويفصل بيننا {بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ} أي الحاكم العليم بأحوال خلقه فأحكامه ستكون عادلة لعلمه بما يحكم فيه ظاهراً وباطناً. وفي هذا جذب لهم بلطف وبدون عنف ليقروا بالبعث الآخر الذي ينكرونه بشدة. وقوله {قُلْ أَرُونِيَ (2) الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكَاءَ} أي قل يا رسولنا لهؤلاء المشركين أوروني آلهتكم التي أشركتموها بالله وألحقتموها به وقلتم في تلبيتكم: لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك. إلا شريكاً تملكه وما ملك. وهكذا يتحداهم رسول الله بإذن الله أن يروه شركاء لله حقيقة يسمعون ويبصرون وينفعون ويضرون ولما كان من غير الممكن الإتيان بهم غير أصنام وتماثيل زجرهم بعنف لعلهم يستفيقون من غفلتهم فقال: {كَلَّا، بَلْ هُوَ اللهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} أي ليست تلك الأصنام بآلهة تعبد مع الله بل المعبود الحق الواجب العبادة هو الله رب العالمين وإله الأولين والآخرين {الْعَزِيزُ} أي الغالب على أمره ومراده الحكيم في تدبير خلقه وشؤون عباده.

وقوله: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ (3) إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ (4) بَشِيراً وَنَذِيراً} أي لم نرسلك يا رسولنا لمهمة غير البشارة والنذارة فلذا لا يحزنك إعراضهم وعدم استجابتهم فبشر من آمن بك واتبعك فيما جئت به، وأنذر من كفر بك ولم يتابعك على الهدى الذي تدعو إليه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015