آيَاتُنَا وَلَّى (1) مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً} أي إذا قرئت على هذا الصنف من الناس آيات الله لتذكيره وهدايته رجع مستكبراً كأن لم يسمعها تتلى عليه وهي حالة من أقبح الحالات لدلالتها على خبث هذا الصنف من الناس وكبرهم. وقوله {كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً} (2) كأن به صمم لا يسمع القول وهنا عجّل الله له بما يحزنه ويخزيه فقال لرسوله محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} والتبشير بما يضر ولا يسر يحمل معه التهكم وهذا النوع من الناس مستحق لذلك وقوله تعالى {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ خَالِدِينَ فِيهَا} هذا صنف آخر مقابل لما قبله وهم أهل الإيمان والعمل الصالح بشرهم ربهم بجنات النعيم والخلود فيها وقوله {وَعْدَ اللهِ حَقّاً} أي (3) وعدهم بذلك وعداً صادقاً لا يخلف وأحقه لهم حقاً لا يسقط. {وَهُوَ الْعَزِيزُ} أي الغالب الذي لا يحال بينه وبين مراده الحكيم الذي يضع كل شيء في موضعه.

وقوله {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا (4) } أي من مظاهر قدرته وعزته وحكمته خلقُه السموات ورفعها بغير عمد مرئية لكم وفي هذا التعبير إشارة إلى أن هناك أعمدة غير مرئية وهي سنة نظام الجاذبية التي خلقها بقدرته وجعل الأجرام السماوية متماسكة بها. وقوله: {وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ} أي من مظاهر قدرته وحكمته إلقاء الجبال الرواسي على الأرض لتحفظ توازنها حتى لا تميل بأهلها فيفسد ويسقط ما عليها وتنعدم الحياة عليها وهو معنى {أَنْ تَمِيدَ (5) بِكُمْ} أي تميل، وإذا مالت تصدع كل ما عليها وخرب وقوله: {وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ} وهذا مظهر من مظاهر القدرة والعلم والحكمة الموجبة للإيمان بالله ولقائه والمستلزمة لتوحيده تعالى في عبادته، فسائر أنواع الدواب على كثرتها واختلافها الله الذي خلقها وفرقها في الأرض تعمرها وتزينها. وقوله {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً} وهو ماء المطر {فَأنْبَتَ بِهِ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ} أي صنف من أصناف الزروع والنباتات مما

طور بواسطة نورين ميديا © 2015