وقوله: {وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ} أي وهم من بعد غلب فارس الروم ستغلب الروم فارسا وقوله: {فِي بِضْعِ سِنِينَ} أي في فترة زمانية ما بين الثلاث سنوات إلى تسع سنوات وقوله {لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ (1) بَعْدُ} أي الأمر في ذلك لله تعالى من قبل الغلب ومن بعده إذ هو المتصرف في خلقه. وقوله {وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللهِ} أي (2) يوم يغلب الروم فارساً يفرح المؤمنون بانتصار الروم على فارس لأن الروم أهل كتاب وفارساً مشركون يعبدون النار، كما يفرح المؤمنون أيضاً بانتصارهم على المشركين في بدر إذ كان الوقت الذي انتصرت فيه الروم هو وقت انتصر فيه المؤمنون على المشركين في بدر. وهذا من الغيب الذي أخبر به القرآن قبل وقوعه فكان كما أخبر فأكد بذلك أن الإسلام وكتابه ورسوله حق. وقوله تعالى: {يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} أي ينصر تعالى من يشاء نصره من عباده وقد شاء نصر المؤمنين والروم فنصرهم في وقت واحد منجزاً بذلك وعده الذي واعد به منذ بضع سنين (3) ، وهو العزيز أي الغالب على أمره القادر على إنجاز وعده الرحيم بأوليائه وصالحي عباده. وقوله ولكن {يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا (4) } كتدبير الله وقدرته وعزته وفوائد شرعه وأسرار دينه. ولكن يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا كتدبير معايشهم من زراعة وصناعة وتجارة، وفي نفس الوقت هم عن الحياة الآخرة غافلون عما يجب عليهم فعله وتركه ليسعدوا فيها بالنجاة من النار وسكنان الجنان في جوار الرحمن سبحانه وتعالى.