وقوله تعالى في الآية الثالثة (67) {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً (1) آمِناً وَيُتَخَطَّفُ (2) النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ} أي ألم ير أولئك المشركون الكافرون بنعمة الله في الإنجاء من الغرق نعمة أخرى وهي أن جعل الله تعالى لهم حرماً آمنا يسكنونه آمنين من غارات الأعداء وحروب الظالمين المعتدين، لا يعتدى عليهم في حرمهم ولا يظلمون في حين أن الناس من حولهم في أطراف جزيرتهم وأوساطها يتخطفون فتشّن عليهم الغارات ويقتلون ويؤسرون في كل وقت وحين، أليست هذه نعمة من أعظم النعم تستوجب شكرهم لله تعالى بعبادته وترك عبادة من سواه. ولذا قال تعالى عاتباً عليهم منددا بسلوكهم {أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ (3) } أي بالشرك وعبادة الأصنام يصدقون ويعترفون {وَبِنِعْمَةِ اللهِ يَكْفُرُونَ} أي يجحدون إنعام ربهم عليهم فلا يشكرونه بعبادته وتوحيده فيها. وقوله تعالى في الآية الرابعة (68) {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ} وصفهم بالظلم الفظيع في حالتين الأولى في كذبهم على الله بتحريم ما أحل وتحليل ما حرم واتخاذ شركاء لله زاعمين أنها تشفع لهم عند الله عز وجل والثانية في تكذيبهم للحق الذي جاءهم به رسول الله وهو الدين الإسلامي بعقائده وشرائعه حيث كذبوا بالقرآن والرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وبعد هذا التسجيل لأكبر ظلم عليهم قال تعالى: {أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً (4) لِلْكَافِرِينَ} ؟ والاستفهام للتقرير أي إن في جهنم مثوى أي مسكنا للكافرين من أمثالهم وهم كافرون ظالمون وذلك جزاؤهم ولبئس الجزاء جهنم.
وقوله تعالى في الآية الخامسة (69) {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا (5) لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ (6) الْمُحْسِنِينَ} في هذه الآية بشرى سارة ووعد صدق كريم، وذلك أن من جاهد في سبيل الله أي طلباً لمرضاة الله بالعمل على إعلاء كلمته بأن يعبد ولا يعبد معه سواه فقاتل