{وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} أي بالذين سبق في علمه تعالى أنهم يهتدون.

وقوله تعالى: {إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا} هذا اعتذار اعتذر به بعض رجالات (1) قريش فقالوا نحن نعرف أن ما جئت به حق ولكننا نخشى إن آمنا بك واتبعناك يتألب علينا العرب ويرموننا عن قوس واحد ونصبح نتخطف من قبل المغيرين كما هو حاصل لغيرنا، وبذلك نحرم هذا الأمن والرخاء وتسوء أحوالنا، لهذا نعتذر عن متابعتك فيما جئت به وأنت تدعوا إليه من الكفر بآلهتنا وهدمها والتخلي عنها. فقال تعالى في الرد على هذا الاعتذار الساقط البارد {أَوَلَمْ نُمَكِّنْ (2) لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبَى (3) إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا} أي لم يوطئ لهم أرض بلد حرمناه فلا يسفك فيه دم، ولا يصاد فيه صيد، ولا يؤخذ فيه أحد بجريرة، أليس هذا كافياً في أن يعلموا أن الذي جعل لهم حرما آمنا قادر على أن يؤمنهم إذا آمنوا وأسلموا، ومن باب أولى. {وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (4) } فهذه علة إصرارهم على الشرك والكفر. إنها الجهل بالله تعالى وعظمته وعلمه وحكمته. ومعنى يجبى أو تجبى إليه ثمرات كل شيء أي يحمل إليه ويساق من أنحاء البلاد ثمرات كل شيء من أنواع الأرزاق وكان ذلك رزقا منه تعالى لأهل الحرم. أفلا يشكرون.

وقوله تعالى: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ} أي وكثيرا من أهل القرى أهلكناهم {بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا (5) } لما بطروا عيشهم فلم يشكروا نعمة الله عليهم فأسرفوا في الظلم والمعاصي فأهلكناهم {فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ} أي ديارهم {لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلاً} (6) كديار عاد وثمود والمؤتفكات. {وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ} لها، فلم نورثها غيرهم وتركناها خاوية خالية لم تسكن. أما يذكرون هذا فيعلموا بذلك قدرتنا فيتقوا فينا ويتوكلوا علينا ويؤمنوا ويوحدوا ويستقيموا على منهج الحق الذي جئت يا رسولنا به.

وقوله: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ} يا أيها الرسول {مُهْلِكَ الْقُرَى} أي أهل المدن والحواضر {حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولاً} كما بعثك في أم القرى مكة {يَتْلُو (7) عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا} أي لم يكن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015