الله تعالى يعلم غيب السموات والأرض أما غيره فلا يعلم إلا ما علمه الله علام الغيوب. وقوله تعالى: {وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} أي وما يشعر أهل السموات وأهل الأرض متى يبعث الأموات من قبورهم للحساب والجزاء وهذا كقوله تعالى في سورة الأعراف: {يَسْأَلونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً} .
وقوله تعالى: {بَلِ ادَّارَكَ (1) عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ} قرئ {بَلْ أَدْرَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ} أي بلغ حقيقته يوم القيامة إذ يصبح الإيمان بها الذي كان غيبا شهادة ولكن لا ينفع صاحبه يومئذ. وقرئ {بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ} أي علم المشركين بالآخرة. أي تلاحق وأدرك بعضه بعضا وهو أنه لا علم لهم بها بالمرة. ويؤيد هذا المعنى قوله تعالى: {بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ (2) } أي لا يرون شيئا من دلائلها، ولا حقائقها بالمرة ويدل على هذا ما أخبر به تعالى عنهم من أنهم لا يؤمنون بالساعة بالمرة قي قوله {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَإِذَا (3) كُنَّا تُرَاباً وَآبَاؤُنَا أَإِنَّا لَمُخْرَجُونَ} أي من قبورنا أحياء. والاستفهام للإنكار الشديد ويؤكدون إنكارهم هذا بقولهم:
{لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ} أي من قبل أن يعدنا محمد. {إِنْ هَذَا} أي الوعد بالبعث والجزاء {إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ} أي أكاذيبهم وحكاياتهم التي يسطرونها في الكتب ويقرأونها على الناس. وقوله تعالى في آخر آية من هذا السياق (69) {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ} أي قل لهم يا رسولنا سيروا في الأرض جنوبا أو شمالا أو (4) غربا {فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ} أي أهلكناهم لما كذبوا بالبعث كما كذبتم، فالقادر على خلقهم ثم إماتتهم قادر قطعا على بعثهم وإحيائهم لمحاسبتهم وجزائهم بكسبهم. فالبعث إذاً ضروري لا ينكره ذو عقل راجح أبدا.