ونزلناه تنزيلا: أي شيئاً فشيئاً حسب مصالح الأمة لتكمل به ولتسعد عليه.
أوتوا العلم من قبله: أي مؤمنوا أهل الكتاب من اليهود والنصارى كعبد الله بن سلام، وسلمان الفارسي.
للأذقان سجداً: أي سجداً على وجوههم، ومن سجد على وجهه فقد خرَّ على ذقنه ساجداً.
إن كان وعد ربنا لمفعولاً: منجزاً، واقعاً، فقد أرسل النبي الأمي الذي بشرت به كتبه وأنزل عليه كتابه.
معنى الآيات:
يقول تعالى: {وبالحق أنزلناه} أي ذلك الكتاب الذي جحد به الجاحدون، وكذب به المشركون أنزلناه بالحق الثابت حيث لا شك أنه كتاب الله ووحيه إلى رسوله، و {بالحق نزل} فكل ما جاء فيه ودعا إليه وأمر به. وأخبر عنه من عقائد وتشريع وأخبار ووعد ووعيد كله حق ثابت لا خلاف فيه ولا ريبة منه. وقوله تعالى: {وما أرسلناك إلا مبشراً ونذيراً} أي لم نرسلك لخلق الهداية في قلوب عبادنا ولا لإجبارهم بقوة السلطان على الإيمان بنا وتوحيدنا، وإنما أرسلناك للدعوة والتبليغ {مبشراً} من أطاعنا بالجنة ومنذراً من عصانا مخوفاً من النار. وفي هذا تقرير لرسالته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ونبوته وقوله تعالى: {وقرآناً فرقناه لتقرأه على الناس على مكث} أي أنزلنا القرآن وفرقناه في خلال ثلاث وعشرين سنة لحكمة منا اقتضت ذلك وقوله {لتقرأه على الناس على مكث} آيات بعد آيات ليكون ذلك أدْعَى إلى فهم من يسمعه ويستمع إليه، وقوله تعالى: {ونزلناه1 تنزيلاً} أي شيئاً فشيئاً حسب2 مصالح العباد وما تتطلبه تربيتهم الروحية والإنسانية ليكملوا به، عقولاً وأخلاقاً وأرواحاً ويسعدوا به في الدارين وقوله تعالى: {قل آمنوا به أو لا تؤمنوا} أي قل يا رسولنا للمنكرين للوحي القرآني من قومك، آمنوا به أو لا تؤمنوا فإن إيمانكم به كعدمه لا يغير من واقعه شيئاً فسوف يؤمن به ويسعد عليه غيركم إن لم تؤمنوا أنتم به وهاهم أولاء الذين أوتوا العلم من قبله من علماء أهل الكتابين اليهود والنصارى قد آمنوا به، يريد أمثال عبد الله بن سلام وسلمان الفارسي والنجاشي أصحم الحبشي وإنهم {إذا يتلى عليهم} أي يُقرأ عليهم {يخرون للأذقان سجداً} أي يخرون ساجدين على أذقانهم ووجوههم ويقولون حال سجودهم {سبحان ربنا} 3