معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في تقرير التوحيد والدعوة إليه. فقوله تعالى: {ربكم الذي يزجي لكم الفلك في البحر لتبتغوا من فضله} يخبرهم تعالى بأن ربهم الحق الذي يجب أن يعبدوه ويطيعوه بعد أن يؤمنوا به هو الذي {يزجي1 لهم الفلك} أي السفينة {في البحر} أي يسوقها فتسير بهم في البحر إلى حيث يريدون من أجل أن يطلبوا رزق الله لهم بالتجارة من إقليم لآخر. هذا هو إلهكم2 الحق، أما الأصنام والأوثان فهي مخلوقة لله مربوبة له، لا تملك لنفسها فضلاً عن غيرها، نفعاً ولا ضراً.
وقوله تعالى: {إنه كان بكم رحيماً} ومن رحمته تعالى تسخيره البحر لهم وإزجاء السفن وسوقها فيه ليحصلوا على أقواتهم عن طريق السفر والتجارة. وقوله تعالى: {وإذا مسكم الضر3 في البحر ضل من تدعون إلا إياه} يذكرهم بحقيقة واقعة لهم وهي أنهم إذا ركبوا في الفلك وأصابتهم شدة من مرض أو ضلال طريق أو عواصف بحرية اضطربت لها السفن وخافوا الغرق دعوا الله وحده ولم يبق من يدعوه سواه تعالى لكنهم إذا نجاهم من الهلكة التي خافوها ونزلوا بشاطئ السلامة اعرضوا عن ذكر الله وذكروا آلهتهم ونسوا ما كانوا يدعونه وهو الله من قبل {وكان الإنسان كفوراً} هذا طبعه وهذه حاله سرعة النسيان، وشدة الكفران. قوله تعالى: وهو يخاطبهم لهدايتهم {أفأمنتم أن يخسف بكم جانب البر} يقرعهم على إعراضهم فيقول {أفأمنتم} الله تعالى {أن يخسف4 بكم} جانب الأرض الذي نزلتموه عند خروجكم من البحر {أو يرسل عليكم حاصباً} أي ريحاً شديدة تحمل الحصباء5 فيهلككم كما أهلك عادا {ثم لا تجدوا لكم} من غير الله {وكيلاً} يتولى دفع العذاب عنكم ويقول: {أم أمنتم} الله تعالى {أن يعيدكم فيه} أي في البحر {تارة أخرى} أي مرة أخرى {فيرسل عليكم قاصفاً من الريح} أي ريحاً شديدة تقصف الأشجار وتحطمها {فيغرقكم بما كفرتم} أي بسبب كفركم كما أغرق آل فرعون {ثم لا تجدوا لكم علينا به تبيعا} أي تابعاً يثأر لكم منا ويتبعنا مطالباً بما نلنا منكم من العذاب.