تعالى أن من أراد الآخرة أي سعادة الآخرة {وسعى لها سعيها} أي عمل، لها عملها اللائق بها وهو الإيمان الصحيح والعمل الصالح الموافق لما شرع الله في كتابه وعلى لسان رسوله، واجتنب الشرك والمعاصي وقوله {وهو مؤمن} قيد في صحة العمل الصالح أي لا يقبل من العبد صلاة ولا جهاد إلا بعد إيمانه بالله وبرسوله وبكل ما جاء به رسوله وأخبر به من الغيب.

وقوله {فأولئك} أي المذكورون بالإيمان والعمل الصالح {كان سعيهم مشكوراً1} أي كان عملهم متقبلاً يثابون عليه بالجنة ورضوان الله تعالى. وقوله تعالى: {كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا} إي أن كلا من مريدي الدنيا ومريدي الآخرة يمد الله هؤلاء وهؤلاء من عطائه أي فضله الواسع فالكل يأكل ويشرب ويكتسي بحسب ما قدر له من الضيق والوسع ثم يموت وثَمَّ يقع التفاضل بحسب السعي الفاسد أو الصالح وقوله {وما كان عطاء ربك محظورا2} يعني أن من أراد الله إعطاءه شيئاً لا يمكن لأحد أن يصرفه منه ويحرمه منه بحال من الأحوال وقوله تعالى: {انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض} أي انظر يا رسولنا ومن يفهم خطابنا كيف فضلنا بعض الناس على بعض في الرزق الذي شمل الصحة والعافية والمال والذرية والجاه، فإذا عرفت هذا فاعرف أن الآخرة أكبر درجات3 وأكبر تفضيلا وذلك عائد إلى فضل الله أولا ثم إلى الكسب صلاحاً وفساداً وكثرة وقِلًَّةً كما هي الحال أيضاً في الدنيا فبقدر كسب الإنسان الصالح للدنيا يحصل عليها ولو كان كافراً لقوله تعالى من سورة هود4 {من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون} أي لا ينقصون ثمرات عملهم لكونهم كفاراً مشركين.

وقوله تعالى: {لا تجعل مع5 الله إلهاً آخر} أي لا تجعل يا رسولنا مع الله إلها آخر تؤمن به وتعبده وتقرر إلهيته دوننا فإنك إن فعلت- وحاشاه أن يفعل لأن الله لا يريد له ذلك {فتقعد في جهنم مذموماً} أي ملوماً يلومك المؤمنون والملائكة مخذولاً من قبل ربك لا ناصر لك والسياق وإن كان في خطاب الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فإن المراد به كل إنسان فالله تعالى ينهى عبده أن يعبد معه غيره فيترتب على ذلك شقاؤه والعياذ بالله تعالى.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015