بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الرحيم الودود، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
فلقد خلق الله عز وجل الإنسان واختصه لنفسه، ونفخ فيه من روحه، وأعد له الجنة لتكون له داراً، وأسكنه الأرض ليؤدي فيها امتحان العبودية له، فإذا ما نجح فيه عاد إلى داره ليستمتع فيها بالنعيم الذي لا يمكن لعقل أن يتخيله.
ومع أن كل ما في الحياة من أحداث يدل على أن هناك نهاية للوجود في الأرض، وأنها ليست دار مقام، وأن الآخرة خير وأبقي، إلا أن الإنسان يغفل كثيراً عن هذه الحقائق وينشغل بتحصيل شهواته، والاستمتاع بها دون النظر إلى ما ينبغي أن يفعله لكي يفوز بالجنة.
و لأن الله عز وجل يريد لعباده الخير والنجاح في امتحان الدنيا، فإنه سبحانه وتعالى يصبر ويحلم عليهم، ويفرح بتوبتهم، على الرغم من المخالفات الجسيمة التي يرتكبونها، والأوامر التي لم يفعلوها، والأمانات التي ائتمنهم عليها فضيعوها، ولما لا وقد وصف نفسه بأنه الرؤوف الرحيم {إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 143].
يريد أن يتوب على الجميع {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عليكمْ} [النساء: 27] ..
ينتظر استغفار عباده ليغفر لهم، ويفرح بندمهم على ما ارتكبوه من مخالفات ليعفو عنهم ويتوب عليهم ..
يريد منهم أن يفعلوا أي خير ليرفع به درجاتهم {وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا} [الشورى:23]. تأمل معي ما فعلته بني إسرائيل من طغيان، واقترفته من كبائر الذنوب، ومع ذلك كان سبحانه وتعالى حريصاً على توبتهم وعودتهم إليه .. يقول لهم: {وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ} [البقرة: 58] .. قولوا هذه الكلمة فقط لكي أعفو عنكم!! ولكنهم أبوا ذلك ورفضوا المنحة والفرصة العظيمة للعفو والصفح.
ومن الصور العجيبة لتودد الله عز وجل لعباده وحبه لهم وحرصه على مصلحتهم وعلى دخولهم الجنة، تلك المنح والهدايا التي يرسلها لهم كل فترة لتكون لهم بمثابة الأمل والحافز لتعويض ما فات والتشمير للحاق بركب المؤمنين السائرين إليه، وإلى جناته.
ومن هذه المنح والهدايا: يوم عرفة، فمن صامه غُفر له ذنوب عامين، ومن استطاع أن يكون في أرض عرفة في هذا اليوم غُفرت كل ذنوبه وأصبح كما ولدته أمه بلا ذنوب وخطايا.
ومن هذه المنح الإلهية: يوم عاشوراء فمن صامه غُفرت له ذنوب عام كامل ..