ولا يمكن الاستغناء بأحد القسمين عن الأخر، فكلاهما له دور في إنجاح مهمة المسلم على الأرض، قال تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ} (النساء:125) فإسلام الوجه لله - وهو أمر شعوري ووجداني - لابد أن يصاحبه إحسان إلى الخلق، ومن الخطأ الذي يقع فيه البعض التركيز على جانب دون الأخر ... فالذي يعطى جل جهده فيما يصلح بينه وما بين الله تاركا كل ما يعود بالنفع على الناس: إيمانه ناقص، فالإيمان قول وعمل .. بل إن من أهم نتائج الأعمال الصالحة أنها تزيد إيمان صاحبها وتثبت قواعده في قلبه، قال تعالى: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} (فاطر:10) جاء في بعض الأثر: إن العبد إذا قال لا إله إلا الله بنية صادقه نظرت الملائكة إلي عمله، فإن كان موافقًا لقوله، صعدا جميعًا، وإن كان العمل مخالفًا وقف قوله حتى يتوب من عمله (?).
وفى المقابل فإن الانشغال بالعمل والحركة وسط الناس لقضاء حوائجهم، وحل مشكلاتهم، وإسداء النفع لهم دون أن يصاحب ذلك وجود قلب حي متصل بالله أمر خطير من شأنه أن يحدث أثر سلبيًا في نفس صاحبه، ولقد حذرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا الأمر فقال: «مثل الذي يعلم الناس الخير، وينسى نفسه مثل الفتيلة، تضيء للناس وتحرق نفسها» (?).
ويقول الرافعي: إن الخطأ أكبر الخطأ أن تنظم الحياة من حولك وتترك الفوضى في قلبك (?).
فلا بد من وجود الأمرين معا ليشكل كل منهما طرفا تنعقد به العروة الوثقى كما قال الله تعالى: {وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى} [لقمان: 22].
القسم الأول
مع الله
يتيح شهر رمضان للمسلم العديد من الوسائل التي من شأنها أن تحي قلبه، وتحسن صلته بربه.
- وأولى هذه الوسائل: الصيام
وهو وسيله عظيمة لامتلاك النفس والسيطرة عليها فالنفس هي العائق الأكبر في سير العباد إلى الله، فمن شأنها دومًا طلب الحظوظ والفرار من الحقوق، ومن أفضل طرق ترويضها الصيام، فبه تضعف مادة شهوتها.
فإذا أردنا أن نستفيد من هذه الوسيلة فعلينا ألا نقضى أغلب النهار في النوم، وعلينا كذلك أن نتوسط في تناول الطعام والشراب عند الإفطار، ولا نتوسع في الأصناف فيكفى صنف أو اثنان، قال الحليمي: وكل طعام حلال فلا ينبغي لأحد أن يأكل منه ما يثقل بدنه، فيحوجه إلى النوم، ويمنعه من العبادة وليأكل بقدر ما يسكن جوعه، وليكن غرضه من الأكل أن يشتغل بالعبادة ويقوى عليها (?).
ومع الصيام عن الطعام والشراب علينا كذلك الإقلال من الكلام والضحك قدر المستطاع ولنرفع شعار «أمسك عليك لسانك» وليكن كلامنا بعيدا عن اللغو وسائر آفات اللسان.