ومنهم من أستشعر قيمته فشمر سواعد الجد واجتهد غاية الاجتهاد في الإتيان بأكبر قدر من الطاعات فأكثر من ختم القرآن وأداء الصلوات والقربات دون الاهتمام بحضور القلب فيها ...
تعامل مع كل وسيلة علي أنها هدف في حد ذاته، ولم ينظر إلى الهدف الأسمى الذي يرنو الصيام إلي تحقيقه.
هؤلاء قد يشعرون بأثر طيب في قلوبهم .. هذا الأثر سرعان ما يزول بعد انتهاء رمضان بأيام قلائل.
وهناك صنف من الناس اعتبر رمضان فرصة نادرة لإحياء القلب وإيقاظه من رقدته وإشعال فتيل التقوى وجذوة الإيمان فيه. نظر إلى مستهدف الصيام فوجده في قول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:183] فتقوى الله عز وجل هي مقصود العبادات {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 21] وعلى قدرها في القلب يكون قرب العبد أو بعده من الله عز وجل {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات:13] وعلم هذا الصنف أن شهر رمضان ما جاء إلا ليقرب الناس من ربهم ويزيد من صلاتهم به، ويقطع عن قلوبهم صلتها بالدنيا فهو يزود القلوب بخير زاد {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ} [البقرة:197] فشمر عن سواعد الجد وجمع بين عمل القلب وعمل الجارحة ..
ومما لا شك فيه أن الصنف الأخير هو الفائز الأكبر من رمضان فلقد أصلح من خلاله قلبه وانطلق به في طريق السائرين إلي الله ....
فإن قال قائل: وما علامة صلاح القلب التي ينشدها رمضان؟
عندما يستيقظ الإيمان، وتشتعل جذوته في القلب فإن أمارات الصلاح تظهر بوضوح على الجوارح مصداقًا لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب» (?) فترى صاحب هذا القلب مسارعًا في الخيرات معظمًا لشعائر الله مصداقًا لقوله تعالى: {وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} (الحج:32) تتحقق فيه المبادأة والذاتية: {لَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ} (التوبة:44) سريع الاستجابة للتوجيه والنصح: {ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِر} (البقرة:232) وتراه كذلك زاهدًا في الدنيا راغبًا فيما عند الله .. قال صلى الله عليه وسلم: «إذا دخل النور القلب أنشرح وأنفتح» قالوا: يا رسول الله وما علامة ذلك؟ قال: «الإنابة إلى دار الخلود والتجافي عن دار الغرور والاستعداد للموت قبل نزوله» (?).
فإن كانت هذه بعض علامات تحقق الهدف فكيف السبيل للوصول إليه؟
إن الوسائل معروفه لدينا، بل مارسنا أغلبها من قبل، ولكن الجديد هو كيف نتعامل معها، ونستفيد منها لنصل إلي الغاية المنشودة من رمضان.
ويمكن تقسيم هذه الوسائل إلى قسمين رئيسيين: قسم يصلح من خلاله العبد ما بينه وبين الله، وهو ما يمكن أن نطلق عليه الجانب الشعوري الوجداني.
أما القسم الأخر فيختص بعلاقة الفرد بمجتمعه ويسمى الجانب السلوكي الاجتماعي.