المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه أجمعين من آيات الحج التي نتحدث عنها في هذه الحلقة هي قوله تعالى: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} [البقرة:203].
نبدأ بمطلع هذه الآية: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} [البقرة:203].
الشيخ: باسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: ذكر الله جل وعلا أياماً معدودات وذكر الله جل وعلا أشهراً معلومات، وذكر الله جل وعلا في سورة الحج أياماً معلومات.
فالأشهر المعلومات هي شوال وذو القعدة وذو الحجة على خلاف فيه هل هو 10 أو 9 أو كله، وقد حررنا هذا في موطنه.
والأيام المعدودات التي هنا في سورة البقرة: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} [البقرة:203]، لا خلاف على أنها أيام التشريق اليوم 11 و 12 و13.
وأما قول الله جل وعلا في سورة الحج: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ} [الحج:28]، فالأيام المعلومات هي أيام التشريق ويضاف إليها يوم النحر وتصبح 4 أيام.
وأول أيام التشريق هو اليوم 11 من شهر ذي الحجة ويسمى يوم القر؛ لأن الحجاج لم يؤذن لهم بالتعجل فيه، وفي هذا اليوم يستقرون في منى وليس لهم نسك يرتحلون إليه في اليوم التاسع بل يكونون في منى ثم يأتون عرفة، وفي عشية عرفة يكونون في عرفة ثم يرتحلون إلى مزدلفة وهي ليلة النحر، وفي اليوم العاشر يكونون في منى ويذهبون إلى مكة لطواف الإفاضة.
أما في اليوم 11 فالأصل أن الحاج قد انتهى من طواف الإفاضة، ويجوز طواف الإفاضة في اليوم 11 لكن الأصل أنه قد انتهى ولم يبق له إلا أن يستقر في منى ولم يؤذن له بالتعجل؛ لأن هذا اليوم 11 فيسمى: يوم القر، وقد خطب النبي صلى الله عليه وسلم فيه ضحى.
المقدم: هل الذكر يكون خاصاً بالحجاج أم يشمل غير الحجاج؟ الشيخ: ذكر الله جل وعلا من أجل مناقب الصالحين، قال الله تعالى: {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ} [الأحزاب:35]، وقال صلى الله عليه وسلم: (سبق المفردون، قالوا: من المفردون؟ قال: الذاكرون الله كثيراً والذاكرات)، وهذا الذكر جاء في القرآن مقيداً ومطلقاً، جاء مقيداً في الآيات التي سبقت.
قوله: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} [البقرة:203]، فهذه الأيام تعني: الزمن، وهو حتى في هذا القيد ينقسم إلى مقيد ومطلق، بمعنى: أن الحجاج في منى يكبرون تكبيراً مقيداً في أدبار الصلوات المكتوبة في الثلاثة الأيام، فيبدأ التكبير لأهل الأمصار فجر يوم عرفة، وينتهي بغروب شمس آخر أيام التشريق.
وهناك التكبير المطلق، وجملة ذكر الله، وتمجيده، وتعظيمه، وتسبيحه، وتهليله: (من قال سبحان الله وبحمده مائة مرة حين يصبح وحين يمسي لم يأت أحد بأفضل مما قال إلا رجل قال مثله أو زاد)، رواه مسلم في الصحيح.
الذي يعنينا أن ذكر الله جل وعلا في جملته منقبة عظيمة: (لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله)، فإذا كان جاء في الحديث: (وهل يكب الناس في وجوههم، أو قال: على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم!)، فكذلك من أعظم ما يدخلك الله به الجنة ذكر الله، {وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الأنفال:45]، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} [الأحزاب:41 - 42]، بل إن الشعائر كلها ما أقيمت إلا لذكر الله.
وهذه الأيام المعدودة أيام التشريق قال عنها صلى الله عليه وسلم: (أيام أكل وشرب وذكر لله)، فينتفي فيها الصيام لغير الحاج، وحتى للحاج إلا من لم يسق الهدي -أو تعبير أوضح: من لم يجد الهدي- فانتقل إلى الصيام فهذا يجوز له أن يصوم أيام التشريق.
والمسلم عبد أينما حل وارتحل، فأكله وطعامه وشرابه والإكثار منها في هذه الأيام دين، وعبادة، وملة، وقربة.
فالله جل وعلا يحب أن يرى أثر النعم، يحب أن نتعبده بما شرعه لنا، وشرع الله جل وعلا أكمل الشرائع، فلا يتقدم إنسان بين يدي الله ورسوله.
فمن كان عليه صيام شهرين متتابعين، فنفرض أنه صام من أول ذي القعدة ثم استمر في الصيام إلى ذي الحجة فلا يصوم يوم النحر ولا أيام التشريق، بل يقطعها، ثم يكمل ولا يعتبر قطعه هذا قطعاً للشهرين المتتابعين؛ لأن القطع هنا قطع شرعي بنص شرعي، ولا يجوز صوم يوم العيد اتفاقاً ولا صوم أيام التشريق عند جمهور العلماء.