خليل الله إبراهيم أمره الله أن يذبح ابنه فاستجاب للطلب، ثم جعلها الله جل وعلا سنة في الناس بعده إكراماً له، واتفق العلماء على أن الأضاحي لا تكون إلا في بهيمة الأنعام: الإبل، والبقر، والغنم ذكراً كان أو أنثى، فالله جل وعلا يقول: {ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ} [الأنعام:143]، الكبش والنعجة، {وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ} [الأنعام:143]، العنز والتيس، {وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ} [الأنعام:144]، الثور والبقرة، {وَمِنَ الإِبِلِ اثْنَيْنِ} [الأنعام:144]، الجمل والناقة.
هذه هي بهيمة الأنعام لا تخرج عنها الأضحية بحال اتفاقاً.
ثم اختلفوا في الأفضل، فمن نظر إلى حديث التبكير يوم الجمعة ذهب إلى أن الإبل أفضل ثم البقر ثم الغنم، لكن الاستدلال هنا استدلال من حديث منفك خارج عن الموضوع، والأولى الاستدلال بشيء في الموضوع نفسه، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يثبت عنه أنه ضحى في المدينة بغير كبش، وهذا قول المالكية قالوا: فعل النبي صلى الله عليه وسلم، والأمر الثاني: أنه لو كانت التضحية بالإبل والبقر خيراً وأفضل من التضحية بالكبش لفدى الله به إسماعيل.
والجمهور يرون أن الإبل أفضل ثم البقر ثم الغنم.
قول الله جل وعلا: {فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ} [الحج:28]، جعل البعض من العلماء يقول: إن الأضاحي لا تصح ليلاً، يعني: أن الذبح والنحر لا يكون في الليل؛ لأن الله قال: {فِي أَيَّامٍ} [الحج:28]، وأهل التحقيق يقولون: إنها تشمل الأيام والليالي فيصح، لكن بعضهم قال بالكراهة، والأولى لمن يقدر أن يذبح نهاراً ألا يذبح ليلاً خروجاً من الخلاف.
أما مسائل التعظيم في قوله: {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ} [الحج:37]، {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج:32]، فتعظيم حرمات الله هو الدين، وهذا أمر يحتاج إلى استشعار الناس لعظمة مراد الله منهم، والإنسان إذا علم ضعفه وعجزه وأن الله غني عن هذا كله عظم ذلك، ولهذا قال الله: {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ} [الحج:37].
أنا لا أريد أن أجرح أحداً لكني في مقام التعليم ولابد من البيان، بعض الناس يذهب وهو مستكثر إخراج المال في الأضحية، ثم يقع جدال بينه وبين البائع ربما جعله يحرم من حمل الذبيحة له إلى سيارته.
ثم إذا جاء تجادل كثيراً مع الجزار، ثم إذا نحر آذى جاره بنحره، فهو كمن يحمل هماً فوق رأسه يريد أن يتخلص منه بأي شيء؛ هذا شتان بينه وبين من يعلم أن الله جل وعلا غني عنه وعن أضحيته، إنما هو الذي عليه أن يسعى في أن يخرجها طيبة بها نفسه، يريد أن يعظم الله؛ لأن الله جل وعلا جعل من هذه الأضحية قربة له.
فعندما يتذكر قول الله: {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ} [الحج:37]، يكون تقياً وهو خارج، خاصة إذا تذكر أن العشرات لا يعرفون هذا النسك والله علمه هذا النسك.
ومن أهل الإسلام من يعلمه ولم يقم به، ومن أهل الإسلام من يعلمه ويقوم به كارهاً.
إذا حج إنسان فإن الناس يكبرونه، وهذا حق لكن يقولون في ألفاظهم العامية: أنت حاج أو داج وهو مطلوب أن يقال: أنت حاج أو مضح؛ لأن كليهما على خير، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يحج إلا مرة واحدة ومكث 9 سنوات عليه الصلاة والسلام يحج ويتقرب إلى الله جل وعلا بالأضاحي؛ لكن الناس يرتبطون بالأشياء الظاهرة ويفقدون حقيقة النص، والله يقول: {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [الحج:36]، والقضية الكبرى: {فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ} [الحج:36]، أي: قائمة، {فَإِذَا وَجَبَتْ} [الحج:36]، أي: سقطت.
ولهذا يقال في الحكم: واجب؛ لأنه ساقط عليك وثابت، ويقال: وجبت الشمس يعني: سقطت، فإذا وجبت جنوبها أي: سقطت، {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ} [الحج:36].
طبعاً لو لم يأكل صحت الأضحية، ولو أكلها كلها الأضحية، ولو تصدق بها كلها صحت، ولو أهداها كلها صحت، والأولى: أن يجعلها أثلاثاً فيتصدق ويأكل ويهدي.
الذي يعنينا أن المقصود إهراق الدم من أجل الله، (وطوبى لعبد وقف على أضحيته وقال: باسم الله والله أكبر، اللهم هذا منك وإليك اللهم تقبل مني)، فما تقرب إلى الله يوم النحر بشيء خير من إهراق الدماء.
نسأل الله تعالى أن يتقبل منا ومنكم ومن جميع المسلمين.