الملقي: أيضاً في قوله تبارك وتعالى: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا} [آل عمران:96] ما المراد بالبركة؟ الشيخ: نبدأ من أصل المسألة (تبارك) فعل عند نحاة العرب لا يتصرف، لا يأتي منه مضارع ولا أمر، ويقولون: لا يخاطب أحد بالفعل: تبارك، ولا يسند إلا لله جل وعلا.
ثمة ألفاظ لا ينادى بها إلا الله، يقال: تبارك الرحمن، تبارك الله، لكن لا يقال: تبارك النبي، ولا تباركت الملائكة، ولا أمثالها، كما أن لفظ (سبحان) لا يقال إلا في حق ربنا جل جلاله، ولهذا أثر عن دعاء بعض الصالحين: (سبحان من لا يقال لغيره سبحانك).
والمبارك المقصود به: الزيادة والنماء والخير، وأثر ذلك في انشراح الصدر ورفع العمل وزيادة الأجر، هذا كله مندرج في قول الله جل وعلا (مبارك)، من بركته الحسية، وبركته المعنوية، البركة الحسية كأن الله جل وعلا يجبي إليه كل الثمرات.
وأنت تعرف أن مكة ليست بأرض زرع، ومع ذلك قل ما يفقد شيء فيها، تأتيها الأرزاق من كل مكان بتسخير الله، من تسخير الله لها، وحب أهل الثرى والمال أن يوقفوا أموالهم في مكة، كل ذلك ناجم من بركة حسية.
البركة المعنوية: في أن الإنسان هناك يجد الطواف بالبيت، وهو لا يوجد إلا في مكة؛ لأن الطواف لا يشرع إلا بالبيت، فهو عبادة لا تتم إلا في مكة، وكذلك الصفا والمروة لا يوجد إلا في مكة، فأداء هذه الأفعال من البركات التي يجعلها الله جل وعلا في ذلك المقام، ولهذا قال الله: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا} [آل عمران:96].
أحياناً نجد في القرآن شيئاً اسمه (الحرم)، وآخر اسمه (مبارك)، وأحياناً (مبارك) تنوب عنها كلمة (مقدس) فمثلاً: لم يرد أن هناك حرماً إلا مكة والمدينة، فالله جل وعلا حرم مكة، وإبراهيم كذلك حرمها، وحرم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة.
لكن كلمة (مقدس)، وكلمة (مبارك)، ليست محصورة في مكة والمدينة، فإن الله قال: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ} [الإسراء:1]، وقال في قضية وادي طوى: {فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى} [طه:12]، والنبي صلى الله عليه وسلم قال في وادي العقيق الذي فيه مسجد الميقات في ذي الحليفة، قال: (أتاني آت من ربي، فقال: صلّ ركعتين في هذا الوادي المبارك).
فلفظ (البركة) قد يطلق على الحرم، ويطلق على غير الحرم، أما الحرم فلا يطلق إلا على مكة والمدينة بحدودها المعروفة التي حددها الشرع.