وكيف أنهم كانوا يبذلون أنفسهم وأموالهم في سبيل الله تعالى وكيف كانت محبتهم لله ورسوله قال - صلى الله عليه وسلم - ((تعرض الفتن على القلوب عرض الحصير عودا عودا فأي قلب أشربها نكتت فيه نكتة سوداء وأي قلب أنكرها نكتت فيه نكتة بيضاء حتى يصير القلب أبيض مثل الصفا لا تضره فتنة مادامت السموات والأرض والآخر أسود مربدا كالكوز مجخيا لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا إلا ما أشرب من هواه)) صحيح الجامع 1/ 2960.
فالإنسان الذي يهمل غذاء قلبه ويتبع هواه قد شابه قلب الحيوان لأن قيمة الإنسان الحقيقية في حياة قلبه وما أن يموت قلبه فليست له أية قيمة لأنه لا يستطيع أن يفهم أو يعقل أو يفكر قال تعالى {لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولائك كالأنعام بل هم أضل} الأعراف 179. كذلك قال الله تعالى فيمن مات قلبه وعمي عن الحق {أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور} الحج 46.
وهنا تأتي معجزة عظيمة اكتشفها العلماء في هذا العصر تبين لنا عظم أهمية القلب وأنه ليس كأمثاله من الأعضاء قال تعالى {فتكون لهم قلوب يعقلون بها} إكتشف العلماء أن القلب هو الذي يفهم ويعقل ثم يرسل إشارة للعقل، فمن الذي أخبر محمد - صلى الله عليه وسلم - بهذه المعجزة العظيمة.
ولقد أجرى أحد الأطباء المسلمين حوار مع عالم مريض كافر وكان مرضه نفسيا، فسأله الطبيب المسلم إذا أردت أن تمتع بصرك فماذا تفعل؟ قال: أنظر إلى الحدائق والأزهار أو إلى فيلم أو مسلسل رائع. قال له وإذا أردت أن تمتع سمعك فماذا تفعل؟ قال: أستمع إلى موسيقى هادئة أو أغنية جميلة. قال له: وإذا أردت أن تمتع أنفك ماذا تفعل؟ قال: أستنشق رحيق الأزهار أو العطور الزكية. قال له: وإذا أردت أن تمتع بطنك فماذا تفعل؟ قال: آكل ما أشتهي من ألوان الطعام والشراب. قال له: إن أردت أن تمتع جسدك فماذا تفعل؟ قال: أرتدي ما أحب من أنواع الملابس المختلفة والأحذية الأنيقة. قال له: وإذا أردت أن تمتع قلبك فماذا تفعل؟ ففوجئ العالم الكافر بهذا السؤال ولم يستطع أن يجيب لأن قلبه ميت، فعرف سبب مرضه لأن الله تعالى يقول: {ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا} طه 124. وهنا نجيب نحن بمقال الشاعر:
يا خادم الإنسان كم تسعى لخدمته ... أتعبت نفسك فيما فيه خسران
أقبل على الروح واستكمل فضائلها فأنت بالروح لا بالجسم إنسان
إن في القلوب فاقة وحاجة لا يسدها إلا الإقبال على الله تعالى والإنابة إليه ولا يلم شعثها إلا بحفظ الجوارح واجتناب المحرمات واتقاء الشبهات.
فسبحان من حياة القلوب في محبته وأنس النفوس في معرفته وراحة الأبدان في طاعته ولذة الأرواح في خدمته، وكمال الألسن بالثناء عليه وذكره وعزها بالتعبد له وشكره.
ولكي يحافظ المسلم على سلامة قلبه وصلاحه لابد له من صيانة خاصة مستمرة حتى لا يموت القلب فأكثر الخلق يخافون من موت أبدانهم ولا يبالون بموت قلوبهم، وأما المسلم الحقيقي فيخاف من موت قلبه لا من موت بدنه ولصيانة القلب طرق كثيرة وأهمها:
1 - إخلاص النية في العمل لله وحده
2 - المتابعة وهي أن تبعد الله تعالى على بصيرة بما جاء به في كتابه العزيز وعلى لسان نبيه - صلى الله عليه وسلم - وأن تبتعد عن كل البدع
3 - إعتزال أماكن الفتن والشهوات، فهي تدمر القلب تدميرا