كيف يحكم المسلم في حياته قول الله تعالى
((قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين))
إن الدين كله داخل في العبادة والدين منهج الله تعالى جاء ليسع الحياة كلها وينظم أمورها من آداب الأكل والشرب وقضاء الحاجة إلى بناء الدولة وسياسة الحكم وسياسة المال وشؤون المعاملات والعقوبات وأصول العلاقات الدولية في السلم والحرب وأن الشعائر التعبدية من صلاة وصوم وزكاة وحج لها أهميتها ومكانتها ولكنها ليست العبادة كلها بل هي جزء من العبادة التي يريدها الله سبحانه، وتطبيق هذا الفهم للعبادة في دنيا الناس من شروط التمكين في الأرض كما أن العبادة لها أهمية في حياة الإنسان في تثبيت الاعتقاد وتثبيت القيم الأخلاقية وإصلاح الجانب الاجتماعي.
فلن يستطيع المسلم أن يعبد الله سبحانه طوال اليوم فكما أن لآخرته حقوق فكذلك لدنياه حقوق فكيف يستطيع الأكل والشرب إن لم يعمل، وكيف ينعم بالنوم والراحة وهو يعلم أنه محاسب على كل ثانية في حياته.
لقد عُرف الله تعالى بأنه واسع المغفرة والرحمة رؤوف بعباده متودد لهم بإحسانه تفضل عليهم بجوده وكرمه فأسبغ عليهم نعمه ظاهرة وباطنه ويسر وسهل لهم طرق التلذذ والتنعم بالطيبات في الحياة والدنيا وسهل لهم الطريق لعبادته فضاعف لهم الأجر وحط عنهم الوزر وجعل لهم أعمالا قليلة أجورها كبيرة ولم يحّمل أحدا أكثر من طاقته قال تعالى: ((لا يكلف الله نفسا إلا وسعها)) سورة البقرة:286 وقال سبحانه ((يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم والله عليم حكيم. والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما. يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا)) سورة النساء:26 - 28. قال - صلى الله عليه وسلم - ((عليكم من الأعمال بما تطيقون فإن الله لا يمل حتى تملوا)) صحيح الجامع 2/ 4085. وقال - صلى الله عليه وسلم - ((عليكم برخصة الله التي رخص لكم)) صحيح الجامع2/ 4077.
فحقيقة الإسلام اليسر والسهولة لا التشدد والتنطع فالله سبحانه لم يشرع الشرائع للتشديد والعقوبة بل شرعها للرحمة والهداية وإنقاذ البشرية من ظلمات الجهل والضلال وجور الأديان إلى نور الإيمان وعدالة الإسلام، والسعادة الأبدية لهم في الدنيا والآخرة، كما قال الصحابي ربعي بن عامر: (نحن قوم ابتعثنا الله لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ومن جور الأديان إلى عدالة الإسلام ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة).
فمن أجل كل ذلك شرع لنا الله عز وجل عملا يسيرا لا يتم أي عمل إلا به وهو: النية
قال - صلى الله عليه وسلم - ((إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى)) البخاري:1/ 7 - 15
فبمنطلق هذا الحديث يفسح الطريق للجميع لتتمتع بأي متعة شاء من طرق الحلال فإن المباح بالنية الصالحة يرتفع إلى قربة وطاعة فبذلك تستطيع أن تطبق قول الله تعالى بأن تجعل حياتك كلها لله بالنية الصالحة.
وهذا هو مقتضى الإيمان أن يسلم العبد حياته كلها لله ليقودها إلى الإيمان والأمان مصداقا لقول الله تعالى {قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين} الأنعام 162 - 163.