يغشى عليه ثم يعود فيحدث فيصنع مثل ذلك مرات حتى يقوم - وروى ابن أبي الدنيا بإسناده عن وهيب بن الورد قال: نظر ابن مطيع يوما إلى داره فأعجبه حسنها فبكى ثم قال: والله لولا الموت لكنت بك مسرورا ولولا ما نصير إليه من ضيق القبور لقرت بالدنيا أعيننا ثم بكى بكاء شديدا حتى ارتفع صوته.
وبإسناده عن الفيض بن إسحاق قال لي الفضيل بن عياض: أرأيت لو كانت لك الدنيا فقيل لك: تدعها ويوسع لك في قبرك ما كنت تفعل؟ قال: فقال فضيل: أليس تموت وتخرج من أهلك ومالك وتصير إلى القبر وضيقه وحدك ثم قال {فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلا نَاصِرٍ} [الطارق: 10] ، ثم قال: إن كنت لا تعقل هذا فما في الأرض دابة أحمق منك.
قال: وأخبرنا محمد بن الحسين حدثني محمد بن حرب المكي قال: قدم علينا أبو عبد الرحمن العمري العابد فاجتمعنا إليه وأتاه وجوه أهل مكة قال: فرفع رأسه فنظر إلى القصور المحدقة بالكعبة فنادى بأعلى صوته: يا أصحاب القصور المشيدة اذكروا ظلمة القبر الموحشة يا أهل النعيم والتلذذ اذكروا الدود والصديد وبلي الأجساد في التراب قال: ثم غلبته عيناه فنام.
وقال: في كتاب العزلة: حدثنا حسن بن عبد الرحمن عن رجل قال: دخلت على رجل بالمصيصة في بيته فيه فرشة وقماشة فقلت: أما يضيق صدرك من هذا؟ فبكى وقال: إذا ذكرت القبر وظلمته وضيقه اتسع هذا عندي ولهيت عن غيره.
وذكر بإسناده له أن سعيد بن عبد العزيز دخل على سليمان الخواص فقال: ما لي أراك في الظلمة؟ قال: ظلمة القبر أشد.
قال أبو الحسن بن البراء: حدثنا أبو حمزة الأنصاري حدثني أبو المضرجي قال: خرجت غازيا فمررت ببعض حصون الشام ليلا فوجدت باب الحصن مغلقا ومقبرة على الباب فبت بجنب المقبرة بالقرب من قبر محفور فلما نمت إذا بهاتف من القبر وهو يقول شعرا:
أنعم الله بالخيالين عينا ... وبمسراك يا أميم إلينا
عجبا ما عجب من ثقل التراب ... ومن ظلمة القبور علينا