علم القوافي

حقًّا إن هذا -إذا نظرنا إليه نظرة عامة- نراه التزامًا شديدًا لم تشترطه لغة غير العربية، فأكثر اللغات يكفي فيها شرط الوزن مع خلاف بين اللغات واللغة العربية فيما يراد بهذا الشرط أيضًا.

ولكننا ننظر إلى العربية في سابق عهودها؛ فنجدها قد نهضت بجميع أغراض القول مع اشتراط الوزن والقافية، وكان أكثر كلام العرب شعرًا، ولم يعرف أن أحدًا منهم شكا من ذلك أو تبرَّم به أو حاول الخروج عليه لا في جاهلية ولا إسلام حتى كان العصر العباسي.

فإذا كان بعض الشعراء في العصر العباسي قد تبرم بهذين القيدين فليس العيب عيب اللغة، ولكنه عيب من يحاول ما لا يستطيع، وهو عيب من لا يستكمل الوسائل ثم يريد الطفور إلى الغايات وما كان لنا أن نتابع هؤلاء الباغين على العربية الذين يريدون أن يتحيَّفوا جمالها من أطرافه فننادي معهم بطرح هذه القيود؛ فإنها ليست كما ظنوا قيود منع وإرهاق ولكنها حُجَزُ زينة، ومعاقد رشاقة، ونظام كأنه نظام فريد لا يحسن إلا إذا روعي فيه التناسق والتناظر.

ومن أمثلة هذه المحاولة المزرية بقدر الشعر ما أنشد القاضي أبو بكر الباقلاني في كتابه الإعجاز قول بعضهم:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015