نظر الخليل بن أحمد الفراهيدي فيما ورد عن العرب من الشعر فاستطاع أن يضبطه ويرجع أوزانه إلى خمسة عشر أصلا؛ سماها بحور الشعر، وخالفه في ذلك الأخفش فجعلها ستة عشر، وكان بحر المتدارك هو الذي نفاه الخليل وأثبته الأخفش.
فكلُّ ما خرج عن الأوزان الستة عشر أو الخمسة عشر فليس بشعر عربي، وما يصاغ على غير هذه الأوزان فهو عملُ المولَّدين؛ الذين رأوا أن حصر الأوزان في هذا العدد يضيِّق عليهم مجال القول، وهم يريدون أن يجري كلامهم على الأنغام الموسيقية التي نقلتها إليهم الحضارة، وهذه لا حد لها؛ وإنما جنحوا إلى تلك الأوزان؛ لأن أذواقهم تَرَبَّتْ على إلفها واعتادت التأثر بها، ثم لأنهم يرون أن كلامًا يوقع على الأنغام الموسيقية يسهل تلحينه والغناء به، وأمر الغناء بالشعر العربي مشهور ورغبة العرب فيه خصوصًا في هذه المدنية العباسية أكيدة.