وشعوريًّا- في برزخ الطورين: طور الانتماءات التقليدية المنحدرة من الأطوار السابقة، وطور الانتماء الإنساني الجديد الذي تفرضه أحوال الطور الجديد وعلاقاته ونشاطاته. ولعل وقوف البشرية كلها في برزخ الطورين هو الذي يضع المجموعات البشرية المعاصرة في دوامة التذبذب، والسلوك المتناقض بين التواصل، والتنابذ في جميع سياساتها ومظاهر حياتها.
ففي الوقت الذي تتوالى فيه مجموعة من الظواهر الجديدة الكاسحة التي تدفع العالم إلى طور الوحدة الإنسانية كالتفاعل الثقافي الذي يتضاعف يوميا بسبب نشاطات المؤسسات، والجمعيات العلمية والتربوية، ودور النشر في العالم كله، والتفاعل الاجتماعي الذي تتضاعف نسبته بسبب المواصلات العالمية والهجرات العالمية للعمل والدراسة، والإقامة والزواج العالمي بين الأجناس، وتشابك الاقتصاد العالمي. فإن هناك حواجز كبيرة من تراث الماضي، والرواسب التاريخية التي تضع العثرات في طريق المسيرة العالمية نحو الوحدة، ويمثل هذه الرواسب الأفكار العنصرية القديمة، والفلسفات والقيم الطبقية والتاريخ الملطخ بالأحقاد، والنعرات العصبية.
ويزيد في مضاعفات هذه السلبيات التاريخية، والاجتماعية الفجوة الواسعة بين الفكر والسياسة في العالم المعاصر. ففي حين ينزوي الفكر ليجتر مثله، وقيمه في الجامعات ومعاهد البحث، فإن السياسة تشكل الواقع القائم طبقا للاتجاهات المقولبة في قوالب الأيدولوجيات القديمة، والمصالح الموقوتة الضيقة.
ولقد أحس بهذه الظاهرة نفر غير قليل من رجال الفكر والتربية في العالم المعاصر. من ذلك ما يقوله البروفسور جيمس بيكر:
"لقد توحد العالم إلى درجة كبيرة من الناحية الجغرافية والتكنولوجية والاقتصادية. ومع ذلك فليس لدى الإنسان خطط، ولا تصور ولا مؤسسة للحفاظ على هذه الوحدة الأساسية ودعمها. فما زالت عادات الإنسان وأفكاره، وممارساته تصطدم مع المقومات الأساسية لوجوده، وما زالت