أصبحت الوحدة الإنسانية ضرورة معيشية في واقع الحياة المعاصرة أكثر من أية مرت بها البشرية من قبل، وذلك للأسباب التالية:
السبب الأول، لم يعد ممكنا -في العالم المعاصر- استمرار الروابط العائلية والقومية والوطنية والجنسية؛ لأن التجمعات البشرية التي قامت على هذا الرابط آخذة -اليوم- في الانهيار المتسارع. فالتقدم التكنولوجي الهائل في ميادين المواصلات والاتصالات، والأقمار الصناعية والأعلام والنشر قد قرب المسافات بين أقطار الأرض، وأدى إلى سرعة الهجرات والأسفار القارية، وإلى تشابك العلاقات الاقتصادية والثقافية والسياسية، والاجتماعية وأحال الحياة على الأرض إلى ما يسميه -رجال الاجتماع- "قرية الكرة الأرضية". وهذا واقع مزق المؤسسات الاجتماعية القديمة- كالأسرة الكبيرة، والقبيلة، والشعب، -وبعثر أعضاء كل منها من أرجاء الأرض كلها. ولو أننا نظرنا في واقع البلدان القائمة في الوقت الحاضرة لوجدنا كل بلد -هو الآن- خليط من جميع الأجناس المهاجرة من هنا وهناك، وأن نسبة السكان الأصليين فيه لا تتعدى النصف على الأكثر، وإن أقطار العالم استحالت إلى ما يشبه -السوبر ماركت- الذي يحمل على المدخل اسما وطنيا، ولكنه في الداخل يضم مئات الأصناف المستوردة من أقطار الأرض كلها.
والذين تعدوا الروابط الإقليمية والطائفية، والوطنية والعصبية العائلية أو العنصرية، ولكنهم لما يستشرفوا بعد الرابطة العالمية، يعيشون اليوم -نفسيا