ولهذا الهدف فإن القائمين على نظم التربية يدربون التلاميذ على الإذعان مبكرا، فيجعلون علاقة المعلمين بالتلاميذ، والمدراء بالمعلمين علاقة تنفيذية قائمة على السلطة والتعليمات، وإصدار الأوامر وتنفيذ القرارات. ومثل ذلك في التربية العسكرية التي تجفف إرادة الفرد وتجعله ينفذ الأوامر دون تساؤل، أو تفكير.
والجانب الثالث، أو الأهم الذي يتناقض فيه الهدفان هو أن هدف تربية الفرد يتطلب من الفرد الوعي بهذا الهدف، وتقبله بقناعة حتى يتمكن أن يخطط مستقبله باستقلال ووعي. ولكن هذا الهدف غير مطلوب في مجال الإعداد لميدان العمل، بل يكفي أن يدرب الفرد لآداء الوظيفة التي تسند إليه برضى وقبول بها. بل إن اطلاعه على هذا الهدف الثاني قد يجعله في صف المقاومين له؛ لأنه يريد أن يقوم بعمل لا معنى له وينال من حريته. فجهله بالهدف -إذن- يعطي المشرفين على إعداده فرصًا أكبر لتشكيل سلوكه وشخصيته دون وعي منه.
وهنا يطرح المختصون بأهداف التربية واجتماعياتها من أصحاب هذا الاتجاه السؤال التالي:
ما الذي يمكن عمله لمواجهة هذا التناقض القائم في التربية الحديثة بين أهداف إعداد الفرد للحياة، وبين أهداف إعداده للعمل في المجتمع؟
يلخص -جون وايت John White- الإجابات المطروحة عن هذا السؤال بالقول إن هناك عدة أساليب لذلك:
الأسلوب الأول: اتباع أسلوب النعامة Ostrich أي دفن الرؤوس في الرمال وتجاهل هذا التناقض. والذي يبرز هذا الأسلوب هو اعتبار وظيفة التربية إعداد الفرد للحياة، بينما يترك إعداد الفرد للعمل في المجتمع لتقرره المؤسسات الاقتصادية، والعسكرية خارج ميدان التربية وليس للمربي شأن بها. ولا شك هذا التصور شبيه بتصور العلاقة بين الدين والسياسة في