المصالح الاقتصادية -تتناقض مع- الأهداف المتمركزة حول إعداد الفرد. ففي حين تهدف الثانية إلى جعل التلميذ سيد نفسه وحاكم قدره، فإن الأهداف التي تتمركز حول التقدم الاقتصادي للأمة تعمل على تقييد تطلعاته، وتطويعه لمتطلبات العمل في المؤسسات الصناعية. ويمكن إدارك هذا التناقض وحدته حين يتذكر المرء أن ملايين الوظائف في الأقطار الصناعية هي وظائف شاقة، وغير جذابة ومن النوع الذي لا يرغب الإنسان أن يجعلها عمله الدائم إذا كان لديه فرص اختيار عمل آخر. ومن أمثلة هذه الوظائف الشاقة: العمل في المناجم وإصلاح الطرق، وتفريغ أكياس الأسمدة. ومثلها الوظائف الروتينية المملة التي أفرزها التقسيم المفرط للتخصصات في العمل خلال التقدم التكنولوجي، كالعمل في المكاتب والأسواق، وكتابة محاضر الجلسات وأعمال السكرتارية.
وبالإجمال فإن الأهداف الاقتصادية للأمة تتناقض مع أهداف تربية الفرد في التربية الحديثة في عدة جوانب هي:
الجانب الأول، يتناقض الهدفان: الفردي والاقتصادي في نوع المعلومات وأسلوب الفهم الذي يتطلبه كل منهما. ففي أهداف إعداد الفرد يتطلب الأمر تزويد الفرد بالمعلومات الواسعة عن غايات الحياة ومقاصدها، ووسائل تحقيقها وهكذا. بينما تتطلب الأهداف الاقتصادية للأمة تقديم معلومات محددة عن نوع واحد من العمل أو الوظائف، بل إن بعض الوظائف لا تتطلب إلا قدرا محدودا من المعرفة، والتدريب الذي لا يتطلب إلا أياما أو أسابيع قليلة.
والجانب الثاني، الذي يتناقض فيه الهدفان هو النزعة التي يشجعها كل منهما. ففي حين ينمي هدف تربية الفرد التأمل، والتفكير فإن الأهداف الاقتصادية للمجتع تتطلب تنمية الإذعان والخضوع للسلطة. فالتربية للعمل في المصانع لا تتطلب عمالا يناقشون في الصواب والخطأ، والحقوق والواجبات، ثم ينتهي بهم الأمر إلى عدم الرضى عن عملهم ووظائفهم.