إلى الحلقتين المذكورتين. ولذلك أطلق الرسول -صلى الله عليه وسلم- اسم -النية- على الحلقة الأولى عند قوله: "إنما الأعمال بالنيات وأن لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله. ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إليه" 1. والذي يقرر صلاح النية، أو فسادها هو خير -الخبرات الاجتماعية- أو شرها. أما الذي يقرر صلاح -الفكرة- أو سوئها فهو صواب -الخبرات الكونية والاجتماعية- أو خطؤها. وأما الذي يقرر صلاح -الممارسة- أو فسادها فهو درجة "إحكام" السنن والقوانين التي توجه الإرادات والأفكار والممارسات إحكاما عقليا وفعليا.
وانطلاقا من تكوين العمل ونموه بالشكل الذي مر أعلاه توجهت التربية الإسلامية محاضن حلقات العمل الخمس: أي تربية النفس، والعقل والجسم.
و"العمل" الناتج عن الحلقات الخمس يتفرع، ويتسع ليغطي جميع ميادين الحياة ومظاهرها: أي هو يتناول المظهر الديني، والمظهر الاجتماعي، والمظهر الكوني. وحين يتم إحكام غايات العمل ووسائله وأدواته يطلق عليه اسم "العمل الصالح-المصلح".
ولكن مفهوم "العمل الصالح" لم يبق على أصالته وشموله. وإنما تعرض -خلال عصور التعصب المذهبي والجمود والاستبداد- للتجزئة، وتضييق المعنى وتشويه المحتوى حتى حصرته الاستعمالات الجارية في الوعظ والتأليف، والتدريس الديني، وآداء الشعائر والصدقات والأخلاق الفردية، ثم كانت محصلة هذه التشويه تشويه صورة -الشخصية المسلمة- أو تشويه صورة -الإنسان الصالح.
ذلك لا بد من إعادة تأصيل معنى "العمل الصالح" ليعود فهمه، وممارسته أصيلا كما ورد في مصادر الإسلام الأساسية المتمثلة بالقرآن والسنة.