وأما عن الأمر الثاني الذي يبرز الحاجة إلى أهداف تربوية محددة للنظم والمؤسسات التربوية في الأقطار العربية والإسلامية، فهو إن النظم والمؤسسات التربوية التي انحدرت عن الطراز الإسلامي القديم ما زالت غائبة كلية عن مفهوم الأهداف التربوية، وعن علاقته بالعمل التربوي، ومناهجه، وتطبيقاته، ونتائجه. وكل ما في الأمر أن لديها -هدفًا واحدًا- غير مكتوب يكمن في منطقة الشعور ولما يصعد إلى منطقة الوعي ليناقش ويحلل. وخلاصة هذا الهدف أن وظيفة التربية هي نقل تراث الآباء إلى الأبناء دونما تطوير، أو تبديل أو مراعاة لحاجات المستقبل الذي سيعيشونه، أو الحاجات المتجددة والظروف المتطورة، يصدق عليهم قوله تعالى: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ} 1.
وبسبب هذا المفهوم ظلت موضوعات الدراسة المقدمة للناشئة تقتصر في محتوياتها على "فقه" القدماء دون تمييز بين حاجات هؤلاء القدماء، وبين حاجات الناشئة المعاصرين، ودون مقارنة بين المشكلات التي واجهها القدماء والمجتمعات التي عاشوا فيها، وبين المشكلات التي يواجهها الناشئة المعاصرون والمجتمعات التي يعيشون بها، وهي لا تدرس باعتبارها منجزات تاريخية شكلت الماضي ولها أثرها في الحاضر، وإنما باعتبارها معجزات حضارية لبت حاجات الماضين وما زالت تلبي حاجات المعاصرين، وتوفر لهم عوامل التفوق والغلبة والتمييز على الآخرين من معاصريهم في الأمم الأخرى.
ولا شك أن تخلف المفاهيم التربوية في المعاهد، والمؤسسات الإسلامية وغياب مفاهيم الأهداف والمناهج، وغيرها من تنظيماتها وأنشطتها، هما المسئولان عن استمرار الازدواجية في نظم التربية القائمة، وعن استمرار النتائج السلبية التي تحدث عنها -مارتن كارنوي- فيما سبق.