خارجه شريطة أن يصحب ذلك فترات من السير في الأرض لينظر كيف بدأ خلق الظواهر الحضارية التي يقوم بدراستها والتخصص بها. إن الأمة الواعية تستطيع استيراد الخبراء والخبرات من خارج وتدفع لها الثمن مهما غلا، ثم تهضمها داخل إطارها الثقافي والاجتماعي بدل أن تقذف بأبنائها بسن مبكرة جدا ليتم هضمهم في معاهد التربية الأجنبية داخل الإطارات الثقافية والاجتماعية هناك.

ولو أننا نظرنا في الخارطة الثقافية والتربوية للكرة الأرضية، لوجدنا أن كل أمة تتولى تربية أبنائها، وإعدادهم علميًّا داخل إطارها الثقافي والاجتماعي، وتستورد لهم كل ما يجري من نشاطات ثقافية وعلمية، حتى إذا نضجوا واشتدت أعوادهم لم تخش عليهم أن يتفاعلوا مع الآخرين في كل مكان على الأرض.

ولكن العالم الثالث -ومنه الأقطار العربية والإسلامية- هو وحده الذي يقذف بأبنائه، أو يسمح بنهبهم تحت ستار المساعدات الثقافية، ليجري تشكيل شخصياتهم في بيئات غريبة بعيدة، وليعانوا فيما بعد من الاغتراب الثقافي والاجتماعي!!

ويلحق بهذه الملاحظات أن الأمة يجب أن تتولى تخطيط نظم التربية فيها، وتحديد فلسفتها وأهدافها، لا أن تتركها إلى أقلية من البيروقراطية التربوية التي تتلاعب بتشكيل أجيال الأمة طبقًا للأهواء الحزبية، والمصالح الشخصية والولاءات الثقافية المغترفة المضطربة. ولعله من المفيد أن نلاحظ أنه لم يكن في الولايات المتحدة الأميركية وزارة للتربية، والتعليم إلا في السنوات الأخيرة حيث ينحصر عملها تقريبا في رعاية التكنولوجيا والعلم أمام ضغط التنافس الدولي في هذا الميدان. أما الجانب الاجتماعي والإنساني، فإن الإمريكيين أنفسهم يخططون لمستقبل أجيالهم من خلال مجالس التربية، ومؤسساتها المنتخبة في الولايات المختلفة، والتي تتولى الإشراف المباشر على تنفيذ البرامج ومراقبة البيروقراطية التربوية خطوة بخطوة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015