وخلال هذه التوجيه يلفت القرآن الكريم الانتباه إلى أن كثيرًا من الأجيال السابقة قد عمرت الأرض، وجعلت العلوم التي ساعدتها على التمكين في الأرض غاية بذاتها، وفرحت بها وتكبرت وبطرت وانصرفت عن الغاية الكبرى

-وهي طاعة الله وتجسيد هذه الطاعة في- الإصلاح في الأرض -فكان مصيرها أن نزل بها ما كانت تستهزئ بالآخرين منه من ضعف، وتخلف وانهيار. وهذا هو الخطر الذي يتهدد الحضارة الحديثة التي فتنها التقدم العلمي والتكنولوجي فراحت تحارب الله ورسله في كل الميادين، وترتكب نفس الخطأ في الفرع بالعلم، والوقوف عند ثمراته المادية دون الانتقال إلى غاياته الإيمانية.

- {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ، فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} [غافر: 82، 83] .

وتتكرر الدعوة إلى السير في الأرض شريطة أن تكون غايات هذا السير استعمال أدوات المعرفة من العقل والسمع، والبصر للبحث عن مظاهر الحق خلق الأرض لا سير الغافلين عما يرون ويسمعون، الباحثين عن المتع الدنسة، والشهوات الهابطة:

{أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج: 46] .

والمحصلة النهائية لهذا السير في الأرض والبحث في خلقها، وما عليها والأحداث التي جرت فوقها هي تخريج نوع من البشر يبقون في -قراءة- دائمة لآيات الآفاق والأنفس، وذكر دائم جوهره: {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران: 191] .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015