المنافقين". وهذا مقياس لا اعتبار فيه لعامل القوة الذي يدور في فلك "الأشخاص"، ولا لعامل الثروة الذي يدور في فلك "الأشياء"، وإنما يقوم على أساس اتقاء مرضي الطغيان، والهوان الذي يدور في فلك "أفكار" الرسالة الإسلامية".
ولقد أثبت تاريخ الحضارة الإسلامية أنه طالما ظلت "جنسية" الإنسان المسلم تستمد من "هو سماكم المسلمين"، فإن الأمة المسلمة ظلت تعيش لحمل الرسالة إلى الناس في الخارج، وظلت "الطبقة العليا" مفتوحة لكل من "اتقى" مرضي الطغيان، والهوان مهما كان أصله ولونه وغناه أو فقره. وحين تحولت لتشتق "الجنسية" من الولاء لـ"أشخاص" الحاكمين و"أشيائهم" و"أقاليمهم" توقفت عن حمل الرسالة، واشتغلت بغيرها من أشياء الدنيا، ومالكي هذه الأشياء وظهر فيها الأشراف والموالي والسادة، والمستخدمين والممالك.
وأما عن "ثقافة" الإنسان المؤمن فهي تعني -هنا: القيم ونظم الحياة، والإدارة والعادات والتقاليد، والأخلاق، والفنون التي تجسد الإيمان في تطبيقات عملية تميز حياة المؤمنين عما سواها، وتحتل التفصيلات المتعلقة بهذه الثقافة جزءا كبيرا من القرآن الكريم. من ذلك قوله تعالى:
{قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ، الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ، وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ، وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ، وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ، إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ، فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ، وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ، وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ، أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ، الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [المؤمنون: 1-11] .
ومنها قوله تعالى:
{وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا