بنسبة التراجع الذي توالى من القيم الإسلامية العالمية إلى القيم الشعوبية والقبلية.
ولقد ابتدأت هذه الردة العصبية في الثقافة، والقيم ابتداء من إمساك الأمويين بقيادة الدولة الإسلامية، وحلول الملك محل الخلافة -كما يرى ابن تيمية1. ثم تولت مضاعفات هذه الردة حتى أفرغت مفهوم "الأمة" من محتواه الإسلامي وأحلت محله محتوى العصبيات القبلية، والشعوبية مما نال من وحدة الأمة المسلمة، وفتح أمامها أبواب الفتن والانقسامات المتتالية.
كذلك حالت هذه الردة للثقافة القبلية، والقيم العصبية دون تطور المؤسسات السياسية والإدارية، والتشريعية الملائمة لطور العالمية، فحالت دون رسوخ قيم الشورى، والقيادة الجماعية ومسئولية الحاكم أمام المحكومين، وأنعشت الحكم المطلق والملكية الاقتصادية المطلقة، والفردية والارتجال ولونت أشكال الإعلام، والممارسات السياسية على جميع المستويات.
ولقد كان لهذه الردة العصبية آثارها في الشكل الذي اتخذته مؤسسات التربية الإسلامية، إذ انحرفت هذه المؤسسات عن هدف "إخراج الأمة المسلمة" وتطويرها، والارتقاء بمفهومها، ومؤسساتها طبقات للحاجات والتحديات، وحل محل ذلك ظاهرتان: الأولى، عدم توجه مؤسسات التربية الإسلامية لتوليد العلوم، والمعارف اللازمة لتنظيم شبكة العلاقات الاجتماعية، وتطوير مؤسساتها بما يتفق مع الأصول الإسلامية في القرآن والسنة. وإنما زاغت بتأثير قيم العصبيات القبلية لتركز في مناهجها على "ثقافة" القبلية التي توجه للدوران في فلك "الأشخاص" الأقوياء، وتبرير ممارساتهم والإشادة بالمنجزات المنسوبة إليهم.
والظاهرة الثانية، تقلص وظيفة المؤسسات التربوية التي لا تدور في فلك الدولة لتقتصر على "تربية" فرد معطل الفاعلية ينسحب من تيار الحياة