وتنسيق المقدرات البشرية والمادية. ولذلك أصبحت لعبة سهلة بأيدي قوى الاحتلال الخارجي، التي ما زالت تصنع من شظايا الأمة المسلمة المتوفاة مزقًا من الكيانات المهيضة التي تطلق عليها اسم -الأمم الإسلامية- وتحدد لها "جنسياتها" و"ثقافاتها" ومحاور "الولاء" فيها طبقا لنظريات عصبية مختلفة، وتصمم لها تطبيقاتها الخاوية الضعيفة في شئون السياسة، والإدارة والاجتماع.
والمحصلة النهائية لجهل المؤسسات التربوية الإسلامية بإخراج الأمة المسلمة هي أن هذه المؤسسات ما زالت تعمل على إعداد أفراد صالحين -غير مصلحين لتقذف بهم إلى بيئات غير صالحة حيث تدخل فضائلهم الفردية في صراع مع علاقات اجتماعية غير فاضلة، إلى أن ينتهي بهم الأمر إلى الازدواجية في السلوك وإلى التلاؤم، والتآكل ثم الوقوع ضحية والانفعالات، والانفجارات التلقائية، والجهاد المرتجل أو المصطنع الذي كثيرا ما ينتهي إلى الانتحار الاجتماعي1، أو السحق تحت ضغط الإحباطات والنكسات دون أن ينتبه أحد إلى أن المطلوب هو "فقه" جديد -أو علم جديد- يتكامل فيه علم إخراج الأمة المسلمة، وعوامل صحتها ومرضها وموتها، وبعثها إلى آخر ما يتعلق بها.
لكل ذلك أصبحت الحاجة ماسة وشديدة إلى استكشاف -فقه إخراج الأمة المسلمة- وبلورة أصوله، وتنبيه الباحثين الإسلاميين إلى دخول ميدانه في ضوء الغايات العليا التي ترشد إليها توجيهات القرآن الكريم، والسنة الشريفة والشئون المتجددة في الآفاق والأنفس. وهذا ما هدفت إلى الإسهام فيه الفصول التالية من هذا الباب.