إلا إذا كان يغذي الجسد قلب نابض بالحياة، ويدبر أموره دماغ سليم، وأجهزة معافاة للهضم والتنفس، وشبكة نشطة من الشرايين والأوردة والأعصاب، ويغذيه دم نقي متوازن التركيب والعناصر.

فكذلك الأمة ليست أكواما بشرية -صالحة أو غير صالحة- وإنما هي نسيج اجتماعي تحكمه سنن الله، وقوانينه في بناء الأمم وصحتها ومرضها ووفاتها، وتتلاحم فيه مكونات الأمة، وتعمل متكاملة بحيث يكون حصيلة هذا كله إخراج الأمة المسلمة، وقيامها بوظائفها طبقا لحاجات الزمان والمكان.

وتتكامل المرحلتان -مرحلة تربية الفرد المسلم، ومرحلة إخراج الأمة المسلمة- بحيث تكون الأولى مقدمة للثانية، ولا تغني واحدة دون الأخرى. ولذلك كان التركيز في المرحلة المكية على تربية الفرد المسلم، أن الإنسان الصالح -المصلح، بينما كان إخراج الأمة المسلمة هو محور العملية التربوية في المرحلة المدنية.

غير أن البحث في المصادر الإسلامية يكشف أن لـ"الأمة" في التاريخ الإسلامي مفهومين: مفهوم نظري في القرآن والسنة، وهو مفهوم يقدم النموذج الذي يجب أن تكون عليه الأمة، وقد اخترت في هذا البحث أن أطلق عليه اسم "الأمة المسلمة". ومفهوم عملي يمثله كيان "الأمة" الذي برز عبر العصور الإسلامية ابتداء من عصر الرسول -صلى الله عليه وسلم- حتى الوقت الحاضر، وقد اخترت أن أطلق عليه اسم "الأمة الإسلامية".

وتبين وقائع التاريخ أن المفهوم العملي للأمة قد تطابق مع المفهوم النظري لزمن معين -هو عصر الرسول، وعصر الخليفتين أبي بكر وعمر- ثم أخذ في الابتعاد تدريجيا، حتى انتهى إلى مخالفته تماما مثبتا بذلك ما أخبر به الرسول -صلى الله عليه وسلم- حين قال:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015