2- اضطراب مفهوم "المثل الأعلى":
لا يوجد للمؤسسات التربوية الحديثة في الأقطار العربية والإسلامية مصدر محدد للمثل الأعلى. ومعنى المصدر المحدد أنها ليس لها التزام واضح واع بالعقيدة الإسلامية، ولا بمدرسة فكرية عميقة التصور للحياة المعاصرة. وإنما هي تقلد في هذا المجال طبقا لأماكن دراسة العاملين فيها، أو طبقا للتيار العام الذي تزجيه -في فترات مختلفة- الأنظمة السياسية والمؤسسات الإعلامية على المستوى المحلي والعالمي. ففي فترة ما بشرت بـ"القومية" و"الوطنية" وفي فترة أخرى بشرت بـ"التقدمية" و"الاشتراكية" مع خليط مضطرب من "مثل" الجاهلية العربية القديمة، ومثل "الإقليمية" و"إشباع رغبات الفرد". وغير ذلك.
وساعد على هذا الاضطراب المذكور إن المؤثرات الاجتماعية، والثقافية في البيئة الحاضرة تؤثر نفس التاثير الذي ذكرناه عن المؤسسات الإسلامية التقليدية، كما إن الأساليب القائمة على الإلقاء، والإلزام هي نفس الأساليب التي أشرنا إليها كذلك، والتي تحول دون حرية الفكر وتعدد الخبرات.
لذلك يكون نمط الشخصية التي تخرجها هذه المؤسسات هي مزيج من "الشخصية البوهيمية" و"الشخصية المقولبة" التي تعاني من العجز وفقدان الهوية.
ويقوم إلى جانب النظم والمؤسسات التربوية التقليدية، والحديثة مؤسسات وجماعات، وفئات تمارس أدوارًا من التربية الموازية كالسينما والتلفزيون والصحافة، والأحزاب والجمعيات، والمساجد والزوايا الصوفية والأسر والعائلات العشائرية، وهي تعاني من نفس المشكلات التي مر ذكرها، وتزيد في
الارتجالية والعشوائية والآبائية، والتربية فيها تقدم نماذج مفككة غير مترابطة، مختلفة غير متجانسة.
ولقد أفرز هذا الوضع التربوي المختلط اختلاطا في اتجاهات الأجيال، وأفرز مضاعفات الانقسام، والاضطراب الذي يميز الحياة المعاصرة في الأقطار العربية والإسلامية.