بالنقص في ميدان العلوم الطبيعية والإدارية والعسكرية. لذلك قفزت هذه المؤسسات إلى الطرف المقابل للمؤسسات الإسلامية واعتنت بـ -القدرات التسخيرية- عناية أهملت بسببها -الإرادة العازمة النبيلة- التي تتولد من تزاوج القدرات العقلية مع المثل الأعلى. فإذا كانت المؤسسات الإسلامية التقليدية قد حصرت مفهوم -العمل الصالح- في الأخلاق الفردية، فإن مؤسسات التربية الحديثة قد حصرته بـ -القدرات والمهارات- المادية. ولذلك جاء الطابع العام لشخصية الخريج من هذه المؤسسات نموا في جانب القدرات، والمهارات وعجزا في الجانب الإرادي أي بعكس ما هو قائم في المؤسسات التربوية الإسلامية.
ولقد ترتب على هذه الجزئية في مفهوم "العمل الصالح" عدة نتائج سلبية أهمها: النتيجة الأولى، إن حصر "العمل الصالح" في المؤسسات الحديثة بالقدرات، والمهارات وانحساره من ميادين الإرادة العازمة النبيلة أدى إلى انفلات الخريجين الأخلاق ومعايير القيم، وما ينتج عن ذلك من مضاعفات.
والنتيجة الثانية، إن حصر "العمل الصالح" -وهو هنا "العمل الناجح" في المهارات والقدرات المادية، وانحساره من ميادين الأخلاق والقيم والعقيدة أدى إلى ضعف انتماء الخريج الحديث لتاريخه وحضارته. وصار يبحث عن "مثل أعلى" من خارج أصوله وثقافته. ولقد فتح هذا البحث الباب لنماذج عديدة من "المثل السوء"، التي كانت تشيع في عقود مختلفة في الساحة الأوربية من أمثال القومية، والوطنية والشيوعية وغيرها.
والنتيجة الثالثة، إن حصر "العمل الصالح" في القدرات والمهارات المادية أدى إلى العناية "بالأهداف التعليمية" وإهمال "الأهداف العامة". أو نقول أدى إلى العناية "بالوسائل" وإهمال "الغايات"ز وبذلك صارت الوسائل بدون غايات إلا ما تمليه الأهواء الموقوتة، والعصبيات المحلية والأيديولوجيات الوافدة، ونماذج القدوة المستوردة.