بل للقرآن عُرْفٌ خاصٌّ، ومعانٍ معهودةٌ، لا يُناسِبُه تفسيرُه بغيرِها، ولا يجوزُ تفسيرُه بغيرِ عرفِه والمعهودِ من معانيه، فإنَّ نسبة معانيه إلى المعاني، كنسبةِ ألفاظه إلى الألفاظِ، بل أعظمُ.
فكما أنّ ألفاظَهُ ملوكُ الألفاظِ وأجلُّها وأفصحُها، ولها من الفصاحةِ أعلى مراتِبها التي يعجزُ عنها قدر العالمين، كذلك معانيه أجلُّ المعاني وأعظمُها وأفخمُها، فلا يجوزُ تفسيرُه بغيرِها من المعاني التي لا تليقُ به، بل غيرُها أعظمُ منها وأجَلُّ وأفخمُ، فلا يجوزُ حملُه على المعاني القاصرةِ بمجرَّدِ الاحتمالِ النَّحويِّ الإعرابيِّ.
فتدبَّرْ هذه القاعدة، ولتكنْ منك على بالٍ، فإنَّكَ تنتفعُ بها بمعرفةِ ضَعْفِ كثيرٍ من أقوالِ المفسِّرينَ وزيفها، وتقطع أنها ليست مرادَ المتكلم تعالى بكلامه» (?).
ومن قرأ في كتابِ البحر المحيط لأبي حيَّانَ (ت: 745)، فإنه سيظهرُ له في علم الإعرابِ قواعدُ كثيرةٌ منثورةٌ في كتابه، ومنها على سبيل المثالِ:
* قال أبو حيَّان (ت: 745): «وقد ركَّبوا وجوهًا من الإعرابِ في قوله تعالى: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ} [البقرة: 2]، والذي نختاره منها أنَّ قوله: {ذَلِكَ الْكِتَابُ} جملةٌ مستقلَّةٌ من مبتدأ وخبرٍ؛ لأنه متى أمكن حملُ الكلامِ على غيرِ إضمارٍ ولا افتقارٍ، كان أَولى أن يُسلكَ به الإضمار والافتقار.
وهكذا عادتنا في إعرابِ القرآنِ، لا نسلكُ فيه إلاَّ الحملَ على