تنطلقُ من الوقفِ إلى المعنى، وليس في ذلك مخالفةٌ لما ذكرتُ لك، وإنَّما اختلفت زاويةُ النَّظرِ، فكاتبُ الوقفِ تفهَّمَ المعنى، ثُمَّ وقفَ، وأنتَ نظرتَ في وقفه، ثُمَّ عرفتَ المعنى الذي اختارَه.
وهذا يعني أنَّ بين المعنى والوقفِ تلازمًا، وهو أنَّ من قصدَ الوَقفَ على موضعٍ، فإنَّه قد فسَّرَ، وأنَّ من فسَّر فإنَّه دلَّ بتفسيرِه على الموضعِ الصَّالحِ للوقفِ.
ولهذا فإنَّ تفسيرَ السلف يُعَدُّ عمدةً في اختيارِ الوقوفِ، وقد كان أبو عمرٍو الدَّانيُّ (ت: 444) يعتمدُ على تفسيراتِهم في بعض ترجيحاتِه في الوقفِ.
ومن ذلك ما ورد من الوقف على لفظِ «الحسنى» من قوله تعالى: {لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى} [الرعد: 18]، فقد حكم بالوقف على هذا الموضع بالتَّمامِ.
ثُمَّ قال: «والحسنى ها هنا الجنَّةُ، وهي في موضع رفع بالابتداءِ، والخبرُ في المجرور قبلها، الذي هو {لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا}.
حدثنا محمد بن عبد الله المري، قال: حدثنا علي، قال: حدثنا أحمد، قال: حدثنا ابن سلام، قال: قال قتادة: الحسنى: الجنَّة.
وقال ابن عبد الرَّزَّاق: ليس {الأَمْثَالَ} [الرعد: 17] بتمامٍ؛ لأنَّ {الْحُسْنَى} [الرعد: 18] صفةٌ له، فلا يتمُّ الكلامُ دونها، والمعنى على التَّقديمِ والتأخيرِ؛ أي: الأمثالُ الحسنى للذين استجابوا لربِّهم.
والأوَّلُ هو الوجهُ (?).