أن تأت عورا فتعاور لهم ... وقل أتاكم رجل أعور.

خذه بموت يغتنم عنده ال ... لحمى فلا يشكو ولا يجأر.

الكلب لا يذكر في مجلس ... ألا تراءى عندما يذكر.

هذا ما اختره منها جاحظ نيسابور في يتيمة الدهر؛ وما أردنا بإثبات ذلك إلا التفنن في الأمثال. وأما المثال الواقعة في أشعار العرب؛ فأكثر من أن تحصى؛ وأوفر من أن تستقصى؛ وقد ذكرنا منها ما فيه الكفاية إن شاء الله تعالى.

تنبيه- قال العلامة الزمخشري في الكشاف: المثل في أصل كلامهم، بمعنى المثل وهو النظير، يقال: مثل وممثل ومثيل، كشبه وشبه وشبيه؛ ثم قيل للقول الممثل مضربه بمورده: مثل. ولضرب العرب الأمثال واستحضار العلماء المثل والنظائر شأن ليس بالخفي في خبيئات المعاني، ورفع الأستار عن الحقائق؛ حتى تريك الخيل في صورة المحقق، والمتوهم في معرض المتيقن؛ والغائب كأنه مشاهد؛ وفيه تبكيت للخصم الألد، وقمع لسورة الجامح الأبي. ولمر ما أكثر الله تعالى في كتابه المبين؛ وفي سائر كتبه أمثاله؛ وفشت في كلام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكلام الأنبياء عليهم السلام والحكماء، قال الله تعالى (وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون) ومن سور الإنجيل سورة الأمثال. ولم يضربوا مثلا، ولا رأوه أهلا للتيسر، ولا جديرا بالقبول؛ إلا قوله فيه غرابة من بعض الوجوه؛ ومن ثم حوفظ عليه؛ وحمي عن التغيير. انتهى.

وبيت بديعية الشيخ صفي الدين الحلي رحمه الله تعالى في هذا النوع قوله:

رجوتكم نصحاء في الشدائد لي ... لضعف رشدي فاستسمنت ذا ورم.

فقوله: استسمنت ذا ورم، من الأمثال السائرة، يضرب لمن يخيب الرجاء فيه. قال الحريري في المقامة الثانية: لقد استسمنت يا هذا ذا ورم ونفخت في غير ضرم. وأشار إليه المتنبي في قوله:

أعيذها نظرات منك صادقة ... أن تحسب الشحم فيمن شحمه ورم.

وبيت بديعية الموصلي قوله:

أنوار بهجته إرسالها مثلا ... تلوح أشهر من نار على علم.

فقوله: أشهر من نار على علم، من الأمثال السائرة؛ يضرب للبالغ من الشهرة غايتها. ولم ينظم ابن جابر الأندلسي هذا النوع في بديعيته.

وبيت بديعية ابن حجة:

وكم تمثلت إذا أرخوا شعورهم ... وقلت بالله خلو الرقص في الظلم.

فارقص في الظلم من الأمثال، لكنه مثل عامي لا يؤثر عن العرب؛ على أنه ليس هذا مضربه؛ فإن هذا المثل غنما يضرب لمن يفعل الشيء عبثا في غير محله، بحيث لا ينتفع به. كقول البهاء زهير:

يا أيها الباذل مجهوده ... في خدمة أف لها خدمه.

إلى متى في تعب ضائع ... بدون هذا تؤكل اللقمة.

تشقى ومن تشقى له غافل ... كأنك الراقص في الظلمة.

فتراه كيف تمثل به لمن يذهب فعله ضائعا. وأما التمثيل به حال إرخاء الأحباب للشعور فلا وجه له، فإن إرخاء الشعور أمر مستحسن من الحبائب والأحباء، لم يفعل في غير موقعه حتى يمثل له الرقص في الظلم، فقوله في شرحه: أن قولي لهم بعد إرخاء الشعور: خلوا الرقص في الظلم، لا يخفى على حذاق الأدب؛ أنما لاحظ فيه تشبيه الشعور بالظلم، ولم يتألم مضرب المثل؛ فأخطأ الصواب ولم يشعر.

والشيخ عبد القادر الطبري انتحل بيت الشيخ عز الدين الموصل فقال:

كما لهم ظاهر إرسالهم مثلا ... يلوح أشهر من نار على علم.

وبيت بديعيتي قولي:

أرسلت إذ لذ لي حبيهم مثلا ... وقد يكون نقيع السم في الدسم.

فالسم في الدسم من المثال السائرة، يضرب للمحبوب يكون فيه المكروه. قال صاحب البردة:

كم حسنت لذة للمرء قاتلة ... من حيث لم يدر أن السم في الدسم.

وبيت الشيخ إسماعيل المقري قوله:

طالت مسافة الليل لا منامة به ... ولا منام لمقروح على ألم.

بسقم عينيك اسقم كل جارحة ... فرب داء دفين صح بالسقم.

هذا هو قول أبي الطيب (فربما صحت الأجسام بالعلل) .

التخيير.

تخيير قلبي أضناني بهم ومحا ... مني الوجود والجاني إلى الندم.

التخيير هو أن يأت الشاعر ببيت يسوغ أن يقفى بقواف متعددة، فيختار منه قافية مرجحة على سائرها، تدل على حسن اختياره، لكونها أنسب وأمكن من غيرها.

كقول الحريري:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015