خ وغاية المفرط في سلمه ... كغاية المفرط في حربه.

فلا قضى حاجته طالب ... فؤاده يخفق من رعبه.

ما كان عندي أن بدر الدجى ... يوحشه المفقود من شهبه.

إن النفوس عدد الآجال ... ورب قبح وحلى ثقال.

أحسن منها الحسن في المعطال ... فخر النفس بالنفس والأفعال.

من قبله بالعم والأحوال.

هذا أخر ما استخرجه الصاحب كافي الكفاة رحمه الله تعالى من شعر المتنبي من الأمثال، وإنما أثبتناها برمتها هنا لتكون عمد لأهل الإنشاء وغيرهم إذا أوردوها في ترسلاتهم وكلامهم وشواهدهم على اختلاف أنواعها فإن المدار عليها كما ذكرناها سابقا، وليس ذلك لعمري مخصوصا بأمثاله فقط، بل جميع شعره يتداوله أصناف الناس، في فنون الأغراض، كما قال أبو منصور الثعالبي في يتيمة الدهر: ليست اليوم مجالس الدرس، أعمر بشعر أبي الطيب من مجالس الإنس ولا أقلام كتاب الرسائل؛ أجرى به من ألسن الخطباء في المحافل؛ ولا لحون المغنين والقوالين، أشغل به من كتب المؤلفين والمصنفين. انتهى.

وقال ابن رشيد العمدة: ليس في المولدين أشهر اسماً من الحسن ابن هاني؛ ثم حبيب والبحتري؛ ويقال أنهما أخملا خمسمائة شاعر في زمانهما كلهم مجيد؛ ثم يتبعهما في الاشتهار ابن الرومي وابن المعتز؛ ثم جاء المتنبي فملأ الدنيا. انتهى.

ولأبي الفضل أحمد بن محمد بن يزيد السكري المروزي من شعراء اليتيمة مزدوجة ترجم فيها أمثالا للفرس، منها قوله:

أحسن ما في ضفة الليل وجد ... الليل حبلى ليس يدري ما تلد.

من مثل الفرس ذوي الأبصار ... الثوب رهن في يد القصار.

إن البعير يبغض الخشاشا ... لكنه في أنفه ما عاشا.

نال الحمار بالسقوط في الوحل ... ما كن يهوى ونجى من العمل.

نحن على الشرط القديم المشترط ... لا الزق منشق ولا العير سقط.

في المثل السائر للحمار ... قد ينفق الحمار للبيطار.

العنز لا يسمن إلا بالعلف ... لا يسمن العنز بقول ذي لطف.

البحر غمر الماء في العيان ... والكلب يروي منه باللسان.

لا تك من نصحي ذا ارتياب ... ما بعتك الهرة في الجراب.

من لم يكن في بيته طعام ... فماله في محفل مقام.

منيتني الإحسان دع إحسانك ... اترك بحشو الله باذنجانك.

كان يقال من أتى خوانا ... من غير أن يدعى إليه هانا.

وكان الشاعر المذكور مولع بنقل أمثال الفرس إلى العربية، فمن ذلك قوله في غير المزدوجة:

إذا الماء فوق غريق طما ... فقاب قناة وألف سوا.

إذا وضعت على الرأس التراب فضع ... من أعظم التل أن النفع منه يقع.

في كل مستحسن عيب بلا ريب ... ما يسم الذهب الإبريز من عيب.

ما كنت لو أكرمت أستقصي ... لا يهرب الكلب من القرص.

طلب الأعظم من بيت الكلاب ... كطلاب الماء في لمع السراب.

هو الثعلب الرواغ في مهمه سلك ... يرى إليه فيه ما أن يرى الشبك.

من مثل الفرس سار في الناس ... التين يسقي بعلة الآس.

تبختر إخفاء لما فيه من عرج ... وليس له فيما تكلفه فرج.

ولأبي عبد الله الأبيودري قصيدة ترجم فيها أمثال الفرس، منها قوله:

صيامي إذا أفطرت بالسحت ضلة ... وعلمي إذا لم يجد ضرب من الجهل.

وتزكيتي مالا جمعت من الربا ... رياء وبعض الجود أخزى من البخل.

كسارقة الرمان من كرم جارها ... تعود به المرضى وتطمع من الفضل.

ألا رب ذئب مر بالقوم خاويا ... فقالوا علاه البهر من كثرة الآكل.

وكم عقعق قد رام مشية قبجة ... فأنسى ممشاه ولم يمش كالحجل.

ولبعض الأدباء قصيدة أيضاً في ذلك، منها:

ما أقبح الشيطان لكنه ... ليس كما ينقش أو يذكر.

يكفي قليل الماء رطب الثرى ... والطين رطبا بله أيسر.

إلى شفا النار أماشي أخي ... كنني أن خاضها أصدر.

أنتهز الفرصة في حينها ... وألتقط الجوز إذ ينثر.

يطلب أصل المرء من فعله ... ففعله عن أصله يخبر.

كم ماكر حاق به مكره ... وواقع في بعض ما يحفر.

فررت من قطر غلى مشغب ... علي بالوابل يثعنجر.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015