يقول جندب بن عبد الله: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ونحن فتيان حزاير، فتعلمنا الإيمان قبل القرآن، ثم تعلمنا القرآن فازددنا إيمانًا (?).

ويؤكد على هذا المعنى عبد الله بن عمر بقوله: لقد عشنا برهة من دهرنا، وأحدنا يؤتى الإيمان قبل القرآن، فتتنزل السورة على محمد صلى الله عليه وسلم فنتعلم حلالها وحرامها، وأمرها وزجرها، وما ينبغي أن نقف عليه منها، ثم رأيت رجالاً يؤتى أحدهم القرآن قبل الإيمان, فيقرأ ما بين فاتحته إلى خاتمته ما يدري أمره ولا زجره، ولا ما ينبغي أن يقف عنده، فينثره نثر الدقل؟ (?).

نعم، استطاع البعض منهم أن يستكمل الحفظ، ولكن كانوا جميعًا يكثرون من التلاوة بآدابها الصحيحة التي من شأنها أن تزيد الإيمان، وترفع صاحبها عند الله.

عن أبي الدراء قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من قرأ القرآن في سبع ليال كُتب من المخبتين» قلنا: فمن قرأه في خمس يا رسول الله؟ قال: «إني أخاف أن يعجلكم عن التّفهم، إلا أن تصبروا على مباكرة الليل، فمن فعل كُتب من المقربين» قلنا: ففي ثلاث يا رسول الله؟ قال: «لا أراكم تطيقون ذلك، إلا أن يبدأ أحدكم بالسورة وأكبر همه أن لا يبلغ آخرها» قلنا: فإن أطقناه على تَفَهُّم وترتيل. قال: «فذلك الجهد من عباده النبيين» قلنا: ففي أقل من ثلاث يا رسول الله؟ قال: «لا تقرؤوه في أقل من ثلاث». (?)

السؤال الخامس

الشيطان والقرآن

- كلما هممت بقراءة القرآن، وفتحت المصحف أجد النعاس يغلبني، فإذا ما قاومته وقرأت أجد نفسي وقد شردت بفكري في أودية الدنيا، وتذكرت أمورًا لم تخطر على بالي منذ فترة طويلة ... فماذا أفعل لأجمع عقلي ومشاعري مع القراءة؟!!

الجواب:

السبب الرئيسي وراء هذا كله هو الشيطان، فهو لن يتركنا نتعامل تعاملاً صحيحًا مع القرآن وننتفع به، فهو يوقن بأن الهدى والإيمان والتغيير يتحقق من خلال فهم القرآن والتأثر به، فالشيطان هو العدو المبين للبشر، وهدفه الدائم هو إضلال الناس جميعًا ..

ولعلمه بقدر القرآن، ومدى قوة تأثير معجزته لمن يتعرض لها باستمرار، فإنه يعمل جاهدًا على صرف الناس عن قراءة القرآن حتي يسهل عليه إضلالهم، وقد قالها قديمًا بكل وضوح {لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ} [الأعراف:16] , والقرآن خير ما يدل على الصراط المستقيم ويأخذ بيد من يتمسك به إلى هذا الصراط حتى يصل به إلى منتهاه {وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنتَهَى} [النجم: 42].

فإن جاهد البعض الشيطان وبدأ في القراءة، فإنه لا يتركه ليفلت منه ويمسك بحبل القرآن، بل يعمل جاهدًا على أن يصرف ذهنه عن فهم ما تضمنته الآيات من معان هادية، ومدخله لذلك هو تزيينه فوائد القراءة السريعة وما سيجني من ورائها من حسنات كثيرة.

فإن جاهده القارئ، واجتهد أن يُعمل عقله فيما يقرأ، حاول أن يجعل عقله يشرد مع كلمة من كلمات القرآن الذي يقرؤه، فيذكِّره من خلالها بموقف من مواقفه السابقة، فينشغل لسانه بالقراءة، أما عقله ففي واد آخر.

فإن جاهده القارئ، ولم يسمح بشرود ذهنه مع القراءة، فإنه يدخل عليه من باب التعمق في فهم كل كلمة يقرؤها، ليصبح القرآن بذلك مخاطبًا لعقله فقط، دون أن يؤثر في قلبه، ومن ثمَّ تصبح ثمرة قراءته زيادة معارفه العقلية دون زيادة للإيمان في قلبه.

وهكذا يجتهد الشيطان في صد الناس عن الانتفاع بالقرآن ..

طور بواسطة نورين ميديا © 2015