* * *
فإن قيل: لأى فائدة ذكر صفة الكرم دون سائر صفاته في قوله
تعالى: (مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ) ؟
قلنا: قال بعض: إنما قال ذلك لطفاً بعبده وتلقيناً له حجتهم وعذره ليقول: غرنى كرم الكريم، وقال الفضيل: لو سألنى الله تعالى هذا
السؤال لقلت: غرنى ستورك المرخاة، وروى أن عليا صاح بغلام له مرات فلم يلبه، ثم أقبل فقال له: مالك لم تجبنى؟
فقال: لثقتى بحلمك وأمنى عقوبتك، فاستحسن جوابه وأعتقه، ولهذا قالوا: من كرم الرجل سوء أدب غلمانه، والحق أن الواجب على الإنسان أن لا
يغتر بكرم الله تعالى وجوده في خلقه إياه وأسباغه النعمة الظاهرة والباطنة عليه فيعصيه ويكفر نعمته اغتراراً بتفضيله الأول، فأن ذلك
أمر منكر خارج عن حد الحكمة، ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قرأها: غره جهله، وقال عمر رضى الله تعالى عنه:
غره حمقه وجهله، وقال الحسن: غره والله شيطانه الخبيث الذي زين له المعاصى، فقال له: افعل ما شئت فإن ربك كريم.
* * *
فإن قيل: كيف قال الله تعالى: (يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا)
والنفوس المقبولة الشفاعة تملك لمن شفعت فيه شيئاً وهو الشفاعة؟
قلنا: المنفى ثبوت النصرة بالملك والسلطنة والشفاعة ليست بطريق الملك والسلطنة فلا تدخل في المنفى. ويؤيده قوله تعالى: (وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ) قال مقاتل: المراد بالنفس الثانية الكافرة، والأصح
أنه على العموم في النفسين.