* * *
فإن قيل: الخلاف بين النبى صلى الله عليه وسلم ومنكرى البعث إنما كان في الحياة بعد الموت لا في الموت، فكيف قال تبارك وتعالى: (إِنَّ هَؤُلَاءِ لَيَقُولُونَ (34) إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولَى)
ولم يقل: "إن هى إلا حياتنا الأولى"، كما قال تعالى في موضع آخر: (وَقَالُوا إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا) وما معنى وصف الموتة بالأولى كأنهم وعدوا موتة أخرى حتى نفوها وجحدوها وأثبتوا الموتة الأولى؟
قلنا: لما وعدوا موتة تكون بعدها حياة نفوا ذلك، كأنهم قالوا لا يقع في الوجود موتة تكون بعدها حياة إلا ما كنا فيه من موتة العدم وبعثنا منه إلى حياة الوجود، وقيل: إنهم نفوا بذلك الموتة الثانية
فى القبر بعد إحيائهم لسؤال منكر ونكير.
* * *
فإن قيل: كيف قال تعالى: (ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ) والعذاب لا يصب، وإنما يصب الحميم كما قال في موضع آخر: (يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ) ؟
قلنا: هو استعارة ليكون الوعيد أهول وأهيب، ونظيره قوله تعالى: (فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ) وقوله تعالى: (أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا)
وقول الشاعر: