يكون الدكتور محمد البهي حاملا للواء المنكرين (للجن) في هذا العصر متوهما أنه سيعطي قضية الباطل شيئا من القوة –بما له من مكانة علمية- أو مخيلا أنه سيبث في كيانها الميت روحا من الحياة، وهيهات. لأن الحق يعرف قبل الرجال وبمعزل عن بريق الألوان والأصباغ. ولقد أعد الدكتور محمد البهي تفسيرا للقرآن أسماه بالتفسير الموضوعي وحمل على كاهله فيما حمل أن يصحح –حسب زعمه - اعتقاد المسلمين في الجن وكأن المسلمين – منذ الصدر الأول - كانوا في ضلال الاعتقاد لإيمانهم بالجن، ومضى عليهم أربعمائة سنة بعد الألف وأجيالهم ترسف في ظلمات الجهالة! فماذا جدّ في عالم الموضوعية مما ينفذ أمره ولا يرد دليله وقوله حتى تحمس الدكتور بل وتجرأ ليظهر بوجه الإنكار القبيح؟!
وقبل أن نحكم على كلام الدكتور بما يستحقه من حق أو باطل يسحن –بحكم الموضوعية - أن نعرض رأيه بأمانة كما كتبه في تفسيره، يقول الدكتور في تفسير سورة الفرقان صفحة 4 وهو يحدد معنى عالمية الرسالة الإسلامية: "وقد يميل بعض المفسرين إلى أن العالمية في رسالة القرآن بين الشعوب والأقوام، ولا بين الأجيال والمجتمعات مع اختلاف اللغات واختلاف الزمان ومكان. بل هي العالمية بين ((الجن)) والإنس ...
وقد آن الأوان أن يفهم المتصدي لتفسير القرآن أن لفظ الجن كما ورد في القرآن قصد به غير المعهود للإنسان، وأطلقه القرآن مرة على فريقين من الناس لم يكونوا معهودين للرسول صلى الله عليه وسلم وهو يجالس المؤمنين في مكة، وورد هذا الإطلاق في سورة الأحقاف 29، 30 في قوله تعالى: {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيم} وهذا النفر في رأي الدكتور هو فريق من الأوس والخزرج، واستدل على زعمه بما جاء في الآية من ذكر للتوراة والأوس والخزرج كانوا على صلة باليهود. ثم يقول الدكتور في صفحة 5 من تفسيره لسورة الفرقان: "كما أطلق القرآن لفظ الجن مرة أخرى على الملائكة في سورة الصافات 158 في قوله تعالى: {وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً} فالسياق قبل وبعد يحدد أن الجنة هنا هم الملائكة الذين ادعى مشركوا قريش أنهم بنات الله في قوله تعالى في السورة نفسها 149 -150: {فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ أَمْ خَلَقْنَا الْمَلائِكَةَ إِنَاثاً وَهُمْ شَاهِدُونَ} وفيما عدا هذين الموضعين فلفظ الجن مفهوم لغوي لا يقصد منه سوى غير المعهود للإنسان شريرا أو خيّرا ماهرا أو غير ماهر" انتهى كلامه.
وقبل أن نتعرض لتأويل الدكتور (الحاسم) للفظ الجن نذكر ما تعارفت عليه لغة العرب من مدلولات كلمة (الجن) ومادتها، فقد عرف العرب جنّ الليل إذا أظلم، وأجنّ