الزمن كان أمرا حاسما في الدلالة على أن المراد ((العرش)) ذاته لا صورة له ولا لمملكة سبأ فقد كان بين زمن انفضاض الاجتماع وزمن ارتداد الطرف فرق كبير في اختصار المدة ومن الواضح أن زمن ارتداد الطرف زمن يسير جدا وهو أقل بكثير من الزمن الذي حدده العفريت بانفضاض الاجتماع.
ولهذا كان الإعجاز في انتقال العرش من سبأ بهذه السرعة المذهلة واستقراره أمام سليمان عليه السلام ومازال أصحاب الرأي عنده مما دعا سليمان عليه الصلاة والسلام إلى الاعتراف بفضل ربه واعتبار هذا الفضل العظيم اختبارا من الله له أيشكر أم يكفر وقد شكر ولله الحمد، قال تعالى: {فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرّاً عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ} وهذه المعاني كلها واضحة لمن تدبر آيات النمل فماذا تقول ((موضوعية)) الدكتور فيها إنه يقول عن الذي عنده علم من الكتاب: "وعد أن يحضره في أقصر مدة ممكنة وهي ما يعبر عنه بارتداد الطرف" فيخيل إليك أنه يريد أن هذه المدة أسرع من مدة ((انفضاض الاجتماع)) ولكن الدكتور يفاجئك بعكس ما تظن عندما يقول: "فالأمر يحتاج إلى تحضير ودقة فيه وليس من السهولة بحيث يؤتى به قبل انفضاض الاجتماع" يعني هذا بوضوح أن مدة انفضاض الاجتماع أقصر من المدة التي يرتد فيها الطرف حتى قبل أن يرتد!.
وهكذا يقلب الدكتور المعاني قلبا وبصورة مدهشة وكأنها السحر فيحول مدة ارتداد الطرف إلى زمن أطول وأكثر تراخيا من مدة انعقاد الاجتماع وإلى حين انفضاضه! وقد قلت – فيما سبق - معنى العرش إلى خريطة مرسومة لمملكة سبأ ومن الحق أن نسأل الدكتور من أي كتاب من كتب اللغة أتى بهذا المعنى المبتكر للعرش؟ أم أن الاستعمال مجازي؟ وإذا كان مجازيا فما العلاقة؟ وهل ظهر للدكتور كيف أن سياق الكلام يأبى ويرفض تأويله الجديد للعرش؟ ونلاحظ هنا أنه يخاطب جماعة مع أن الذي تصدى لرسم الخريطة كان واحدا معينا وهو الذي عنده علم من الكتاب، ألا ينبه هذا الدكتور إلى ما في تأويله من خطأ ظاهر؟! ولم طلب سليمان عليه السلام تغيير معالم خريطة هامة كهذه، وكيف سيستعين بها بعد هذا التغيير؟ أليس المناسب في مثل هذه الحالة أن يحفظ هذه الخريطة في مكان آمن شأن الأوراق السرية الهامة التي لا يفرط فيها القائد المحنك؟ ولماذا عرض هذه الخريطة – وهي سر من أسراره الحربية - على بلقيس ملة أعدائه فور حضورها؟ وكيف يعرضها عليها مهما كان السبب قبل أن يستيقن من استسلامها لا سيما وقد ظهر له ما تتمتع به من حيلة ودهاء، إن هذا التأول فوق أنه لا يستند على إثارة من علم تأويل لا يقبله العقل ولا يكون عناء وتكلفا جشمنا إياه الدكتور ليؤيد تفسيره الموضوعي الذي ينادي بإنكار وجود الجن.