قوله: أنه لا يحب المعتدين عقب قوله ادعوا ربكم تضرعًا وخفية، دليل على أن من لم يدعه تضرعًا وخفية فهو من المعتدين الذين لا يحبهم، فقسمت الآية الناس إلى قسمين داعٍ لله تضرعًا وخفية ومعتد بترك ذلك. انتهى. ولا يخفى على من في قلبه أدنى حياة ما في فعل المطربين بالأذكار يوم العيد من منافاة التضرع والخفية، بل ومنافاة الخوف من الله تعالى، فإنهم لو خافوه لمنعهم خوفه من مخالفة أمره، وارتكابه نهيه، والاستهزاء بذكره، وإيقاعه بأفعال تشبه أفعال المغنين. فهم إذًا من المعتدين. والله لا يحب المعتدين. وقد تقدم ما ذكره الإمام أحمد رضي الله تعالى عن السلف أنهم كانوا يكرهون أن يرفعوا أصواتهم بالدعاء. وروى الخلال بإسناد صحيح عن قتادة عن سعيد بن المسيب أنه قال: أحدث الناس الصوت عند
الدعاء. وعن سعيد بن أبي عروبة أن مجالد بن سعيد سمع قومًا يعجون في دعائهم فمشى إليهم، فقال: أيها القوم إن كنتم أصبتم فضلاً على من كان قبلكم، لقد ضللتم، قال: فجعلوا يتسللون رجلا رجلاً حتى تركوا بغيتهم التي كانوا فيها. العج رفع الصوت بالدعاء وغيره. وروى الخلال أيضًا بإسناده عن ابن شوذب عن أبي التياح قال: قلت للحسن: إمامنا يقص، فيجتمع الرجال والنساء فيرفعون أصواتهم بالدعاء، فقال الحسن: إن رفع الصوت بالدعاء بدعة، وأن اجتماع الرجال والنساء لبدعة ... وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه أنكر رفع الصوت بالذكر ونهى عن ذلك كما في الصحيحين وغيرهما من حديث خالد الحذاء عن أبي عثمان النهدي عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه،