العرب، وأهل الأمصار، وقد نزلوا فِي مياه عذبة، وجنان مخصبة فِي مثل حولاء السلي، وحدقة الحمل تأتيهم ثمارهم لم تخضد، وإنا نزلنا فِي سبخة نشاشة مالحة هشاشة، جانب منها البحر الأجاج وجانب الفلاة، فألا تمدنا بفضل عطاء أو زرق نهلك، فحبسه عُمَر عنده حولا حيث أعجب بكلامه ليستبرىء ما عنده فلم ير إلا ما يحب. فقال عُمَر: إنا كُنَّا نحاذر كل منافق عليم، وإني قد خبرتك حولًا فرأيتك ذا جُول [1] ومعقول، وأذن له فقدم البصرة.

وحضر مجلس عمر، فذكر عُمَر بني تميم وقال فيهم، فقال الأحنف:

يا أمير المؤمنين منهم الصالح ومنهم الطالح، فقام الحتات المجاشعي ليتكلم فقال له عُمَر: اجلس فقد كفاكم سيدكم الأحنف.

وَحَدَّثَنِي الْمَدَائِنِيُّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْهُذَلِيِّ قَالَ: قَدِمَ الأَحْنَفُ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي أَهْلِ الْبَصْرَةِ، فَجَعَلَ يَسْأَلُهُمْ رَجُلا رَجُلا، وَالأَحْنَفُ جَالِسٌ فِي نَاحِيَةِ الْبَيْتِ فِي بَتٍّ لا يَتَكَلَّمُ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: أَمَا لَكَ حَاجَةٌ؟ قَالَ: بَلَى يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ مَفَاتِحَ الْخَيْرِ بِيَدِ اللَّهِ، وَإِنَّ إِخْوَانَنَا مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَالشَّامِ وَمِصْرَ نَزَلُوا مَنَازِلَ الأُمَمِ الْخَالِيَةِ بَيْنَ الْمِيَاهِ الْعَذْبَةِ، وَالْجِنَانِ الْمُلْتَفَّةِ، وَنَزَلْنَا بِسَبْخَةٍ نَشَّاشَةٍ لا يَجِفُّ تُرَابُهَا وَلا يَنْبُتُ مَرْعَاهَا، مَنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ الْبَحْرُ الأُجَاجُ وَمِنْ قِبَلِ الْمَغْرِبِ الْفَلاةُ، فَلَيْس لَنَا زَرْعٌ وَلا ضرع، تأتينا منافعنا وميرتنا في مثل مريء النَّعَامَةِ، يَخْرُجُ الرَّجُلُ الضَّعِيفُ فَيَسْتَعْذِبُ الْمَاءَ مِنْ فَرْسَخَيْنِ، وَتَخْرُجُ الْمَرْأَةُ كَذَلِكَ فَتَرْبِقُ وَلَدَهَا كَمَا تُرْبَقُ الْعَنْزُ، نَخَافُ بَادِرَةَ الْعَدُوِّ، وَأَكْلَ السَّبْعِ. فَإِلا تَرْفَعْ خَسِيسَتَنَا وَتُجْبِرْ فَاقَتَنَا نَكُنْ كَقَوْمٍ هلكوا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015