وَكَانَ أمية لما قدم الشام قَالَ النَّاس: قدم أمية أخو خالد فَقَالَ عَبْد الْمَلِكِ: أراك ببلد لا تعرف فيه إلا بخالد، وأنت أعز من بِهَا، فجعل لَهُ حاجتين فِي كل يوم، فأصبح النَّاس عَلَى بابه يسألونه الحوائج إِلَى عَبْد الْمَلِكِ ولما مات هؤلاء الثلاثة رثاهم عَبْد الْمَلِكِ:
لعمرك لا أنسى أمية أظلمت ... علي بِهِ أرضي معا وسمائيا
ومن يوم روح قد علتني كآبة ... وبل دموعي بالرشاش ردائيا
وقد كاد ينسينيهما يوم خالد ... أَبِي هاشم إذ كدت أنسى حيائيا
ألاك الأخلاء المصافون مَا بقوا ... وكنت لهم مَا صاحبوني مصافيا
فقد أوحشت أوطانهم وبلادهم ... وأوحش منهم مجلسي وفنائيا
أشد بهم ركني سريري وموكبي ... فكيف بصبري بعدهم وعزائيا
الْمَدَائِنِيّ قَالَ: مر عَبْد الْمَلِكِ عَلَى قبر مُعَاوِيَة، ومعه عمر بْن عبيد اللَّه بْن معمر، وابن بحدل الْكَلْبِيّ فَقَالَ: هذا قبر رجل كَانَ يسكته الحلم، وينطقه العلم، هذا قبر أَمِير الْمُؤْمِنِينَ مُعَاوِيَة ثُمَّ أنشد:
وَمَا الدهر والأيام إلا كَمَا أرى ... رزية مالٍ أو فراق حبيب
الْمَدَائِنِيُّ عَنْ مَسْلَمَةَ بْن محارب قَالَ: دَخَلَ عَلِي بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن عباس عَلَى عَبْد الْمَلِكِ فِي يَوْم شديد البرد وَقَدْ حال بينه وبينه دخانُ العود فَقَالَ:
يَا أمِير الْمُؤْمِنيِنَ احْمدِ اللَّه عَلَى مَا أَنْتَ فِيهِ من الدفء، مَعَ مَا النَّاس فِيهِ من البرد، ودعا لَهُ بالبقاء، فَقَالَ لَهُ: يَا أبا مُحَمَّد أَبَعْدَ ابْن هند- وَكَانَ أميرا عشرين سنة وخليفة مثلها- أصبحت تهز عَلَى قبره ينبوته مَا هو إلا كما قَالَ الشاعر: