ممّن حضر بيعه العقبة ظهر تغاير البيعتين.
ومثله ما رواه الطبراني من حديث جرير: بايعنا رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - على مثل ما بايع عليه النِّساء ... فذكر الحديث، وإسلام جرير متأخر عن إسلام أبي هريرة وإنّما وقع الإلتباس لأنّ عبادة حضر البيعتين، وكانت بيعة العقبة من أعظم ما يمتدح به، وكان يذكرها إذا حدث تنويهًا بسابقتيه كما ذكرها في قصة توبته في الحديث الطويل، ورجح شهودها على شهود بدر، فلما حدث بالبيعة الّتي وقعت على مبايعة النِّساء ذكر أنّه شهد العقبة وبايع فيها فتوهم من لم يقف على حقيقة ذلك أنّهما جميعًا وقعا في ليلة واحدة.
ونظير ما وقع من هذا التوهم ما أخرجه أحمد من طريق محمَّد بن إسحاق عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت عن أبيه عن جده وكان أحد النقباء قال: بايعنا رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - بيعة الحرب، وكان عبادة من الإثنى عشر الذين بايعوا في العقبة الأولى على بيعة النِّساء وعلى السمع والطاعة في العسر واليسر ... الحديث.
ووقع ذكر بيعة النِّساء في ليلة العقبة.
وفي رواية أخرى لابن إسحاق من طريق الصنابحي عن عبادة، وهذا ظاهر في اتحاد البيعتين لكن فيه وهم، وسيأتي في كتاب الأحكام من وجه آخر عن يحيى بن سعيد على الصواب ليس فيه ذكر بيعة النِّساء والحرب، وإنّما أذن فيها بعد الهجرة وذلك بعد بيعة العقبة فيحمل الأمر على أنّ عبادة حضر البيعات كلها، وكان يجمعها تارة ويفرد بعضها أخرى، والعلم عند الله تعالى.
وحاصل ما تأولته أنّ قول عبادة إنِّي من النقباء الذين بايعوا رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - أي ليلة العقبة على الإيواء والنصر والسمع والطاعة كما تقدّم ثمّ قال: وقال: بايعنا ... الخ أي في وقت آخر وليس ذلك تفسيرًا لبيعة العقبة.