وقد تجاهل المستشرقون هذه الأخبار الثابتة من عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقواله، وصوروا الفتوحات الإسلامية على أنها حركة ارتجالية، هدفها القوي رغبة أبي بكر في إشغال العرب عن أنفسهم، وخصوماتهم، وإغرائهم بالغنائم، والمنافع المادية1. وأقوالهم تلك تدحضها الحقائق الثابتة، كما وقعوا في التناقض كعادتهم عند تناولهم أحداث التاريخ الإسلامي، والحضارة الإسلامية.
وكمثال على ذلك يقول "بروكلمان" متلاعباً بالألفاظ:
"ما في مقدور أبي بكر أن ينفذ خطة النبي الأخيرة2 - تلك التي تفضي بنشر الإيمان في ما وراء حدود الوطن الأم، ذلك بأنه كان عليه أن يوجد فرصة من النشاط الخارجي لهذه القوى التي كانت في الماضي على استعداد دائم لأن تتفانى في منازعَات لا نهاية لها"3.
وعلى العموم فقد كانت هناك خطة واضحة للفتوحات الإسلامية من أجل تبليغ الدعوة، وهي خطة راشدة مستنيرة حتى أن أبا بكر رضي الله عنه منع المرتدين من الاشتراك في الفتوحات الأولى4. وهذه الخطة تُقدم إذا كان الإقدام حزماً ومناسباً، وتتأنى إذا كان التأني خيراً للمسلمين وللشعوب غير المسلمة من أهل البلاد. فتردّد عمر بن الخطاب رضي الله عنه في الانسياح- في بلاد فارس، وفي فتح مصر (إن صح) ، وفي فتح الهند، وفي فتح إفريقيا- لم يكن مبعثه عدم الرغبة في فتح هذه البلاد أمام دعوة الإسلام، ولكنه من ضمن خطة، لتثبيت المكاسب الإسلامية، والتمكن من إقامة الإسلام في الأراضي المفتوحة، واستنهاض طاقات الشعوب التي أظلتها رايته، وتجميعها، ثم توجيهها الوجهة الصالحة، ومن أجل الدعوة، حتى تصبح تلك الأقطار نقاط ارتكاز جديدة، تنطلق منها الدعوة وتمتد، إلى أقطار أخرى، تسهم فيها شعوب تلك الأقطار بدلاً من أن تكون شوكة في جنب المجاهدين، أو خنجراً يوجه إلى ظهورهم في خلفهم.