الأندلس. كان السقوط والانهيار في كل هذه البلاد سقوطًا عسكريًّا. وانهيارًا سياسيًّا فقط ولم يتعد إلى الجانب الفكري والنفسي والعاطفي والديني. ولم يؤد إلى تصفية الوجود الإسلامي تصفية كاملة كما أدى ذلك في الأندلس. ومن الأسف الشديد أن دراسة أسباب هذا الانهيار الكامل دراسة جدية موضوعية لا تزال أمانة في أعناق علماء المسلمين.

نعتبر سنة 1492 م عمومًا كأنها تمثل نقطة نهاية سقوط المسلمين في الأندلس - السنة التي سقطت فيما دولة غرناطة - آخر دول الإسلام سقوطًا - حيث تنازل أبو عبد الله عن قصر الحمراء ومدينة غرناطة لفرديناند وأزابيلا - ولكن كانت هذه نقطة نهاية سقوطهم سقوطًا سياسيًّا. ولكن العالم الإسلامي مع الأسف ظن أنه نهاية باب من أبواب التاريخ الإسلامي وافترض أن التواجد الإسلامي في الأندلس انتهى بنهاية دولتهم. فأصبحت القضية عندهم نسيًا منسيًّا وصارت أمرًا مفروغًا منه. ومن هنا بدأت الكارثة الكبرى وشاهدت الأندلس مشاهد لم ترها العيون من المذابح والمجازر التي استمرت أكثر من قرنين كاملين.

كانت سنة 1494 نقطة بداية لما يسمى بمحاكم الاستجواب والتفتيش التي تمثل أسوأ وأحلك وأظلم ما قدّمه رجال الكهنوت من ظلم واضطهاد باسم دين يدّعي بكونه دين التسامح. والتضحيات التي قدمها المسلمون خلال هذا الظلام الحالك من الظلم والاضطهاد تشكل جزءًا هامًّا من تاريخ الدعوة والعزيمة وتاريخ النظريات والديانات. ولا يمكن لتاريخ البشرية كلها أن تقدم نظيرًا لهذه التضحيات.

ولكن التاريخ تناسى هذا العصر الهامّ من تار - صلى الله عليه وسلم - يين المتعصّبين لتصفية أجيال المسلمين.

وكأن أهل العلم تجاهلوا المذابح والمجازر التي أتت على حياة آلاف بل ملايين الأبرياء من المسلمين. كأن أهل الأدب لا يهمّهم ضياع ملايين الكتب القيمة التي أحرقها أعداء العلم والمعرفة من الكاثوليكيين المتعصبين. وكأن زعماء حركة حقوق الإنسان لا يعطون وزنًا لحياة الآلاف الذين أحرقوا وهم أحياء دون أي سبب إلا أن يقولوا ربنا الله. إن مدن قرطبة وإشبيلية وغيرها لا تزال فيها شوارع وميادين تعرف

بالمحرقة التي أحرق فيها المسلمون الأبرياء ودمرت فيها المكتبات بدرجة لم يمكن لهذه المدن أن تنساها فبقي اسم المحرقة على ألسن الناس ذكرى ودليلاً على هذه المجازر.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015